وَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُمُ اسْتَشَارَ مُصْعَبٌ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَعْفُوَ، فَإِنَّ الْعَفْوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. فَقَالَ أَشْرَافُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: اقْتُلْهُمْ. وَضَجُّوا، فَقَتَلَهُمْ. فَلَمَّا قُتِلُوا قَالَ الْأَحْنَفُ: مَا أَدْرَكْتُمْ بِقَتْلِهِمْ ثَأْرًا، فَلَيْتَهُ لَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ وَبَالًا.
وَبَعَثَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ امْرَأَةُ مُصْعَبٍ إِلَيْهِ فِي إِطْلَاقِهِمْ، فَوَجَدَهُمُ الرَّسُولُ قَدْ قُتِلُوا.
وَأَمَرَ مُصْعَبٌ بِكَفِّ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقُطِعَتْ وَسُمِّرَتْ بِمِسْمَارٍ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَبَقِيَتْ حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ: هَذِهِ كَفُّ الْمُخْتَارِ، فَأَمَرَ بِنَزْعِهَا.
وَبَعَثَ مُصْعَبٌ عُمَّالَهُ عَلَى الْجِبَالِ وَالسَّوَادِ، وَكَتَبَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ وَيَقُولُ لَهُ: إِنْ أَطَعْتَنِي فَلَكَ الشَّامُ وَأَعِنَّةُ الْخَيْلِ وَمَا غَلَبْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ مَا دَامَ لِآلِ الزُّبَيْرِ سُلْطَانٌ. وَأَعْطَاهُ عَهْدَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى ابْنِ الْأَشْتَرِ يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ وَيَقُولُ: إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي فَلَكَ الْعِرَاقُ. فَاسْتَشَارَ إِبْرَاهِيمُ أَصْحَابَهُ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَوْ لَمْ أَكُنْ أَصَبْتُ ابْنَ زِيَادٍ وَأَشْرَافَ الشَّامِ لَأَجَبْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ، مَعَ أَنِّي لَا أَخْتَارُ عَلَى أَهْلِ مِصْرِي وَعَشِيرَتِي غَيْرَهُمْ. فَكَتَبَ إِلَى مُصْعَبٍ بِالدُّخُولِ مَعَهُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ أَنْ أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ مُصْعَبًا إِقْبَالُهُ إِلَيْهِ بَعَثَ الْمُهَلَّبَ عَلَى عَمَلِهِ بِالْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ وَأَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ.
ثُمَّ إِنَّ مُصْعَبًا دَعَا أُمَّ ثَابِتٍ بِنْتَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ امْرَأَةَ الْمُخْتَارِ، وَعَمْرَةَ بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّةَ امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى، فَأَحْضَرَهُمَا وَسَأَلَهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ. فَقَالَتْ أُمُّ ثَابِتٍ: نَقُولُ فِيهِ بِقَوْلِكَ أَنْتَ. فَأَطْلَقَهَا، وَقَالَتْ عَمْرَةُ: رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ عَبْدًا لِلَّهِ صَالِحًا. فَحَبَسَهَا، وَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: إِنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَمَرَهُ بِقَتْلِهَا، فَقُتِلَتْ لَيْلًا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ، قَتَلَهَا بَعْضُ الشُّرَطِ، ضَرَبَهَا ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ وَهِيَ تَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ! يَا عَثْرَتَاهُ! فَرَفَعَ رَجُلٌ يَدَهُ فَلَطَمَ الْقَاتِلَ وَقَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، عَذَّبْتَهَا! ثُمَّ تَشَحَّطَتْ فَمَاتَتْ، فَتَعَلَّقَ الشُّرْطِيُّ بِالرَّجُلِ وَحَمَلَهُ إِلَى مُصْعَبٍ، فَقَالَ: خَلُّوهُ فَقَدْ رَأَى أَمْرًا فَظِيعًا. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ فِي ذَلِكَ:
إِنَّ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ عِنْدِي ... قَتْلَ بَيْضَاءَ حُرَّةٍ عُطْبُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute