عَلَى دِينِ أَجْدَادٍ لَهَا وَأُبُوَّةٍ كِرَامٍ
مَضَتْ لَمْ تُخْزِ أَهْلًا وَلَمْ تُرِبْ ... مِنَ الْخَفِرَاتِ لَا خَرُوجٌ بَذِيَّةٌ
مُلَائِمَةٌ تَبْغِي عَلَى جَارِهَا الْجُنُبْ ... وَلَا الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَلَمْ تَدْرِ مَا الْخَنَا
وَلَمْ تَزْدَلِفْ يَوْمًا بِسُوءٍ وَلَمْ تُجِبْ ... عَجِبْتُ لَهَا إِذْ كُتِّفَتْ وَهْيَ حَيَّةٌ
أَلَا إِنَّ هَذَا الْخَطْبَ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبْ
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ إِنَّمَا أَظْهَرَ الْخِلَافَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ قُدُومِ مُصْعَبٍ الْبَصْرَةَ، وَإِنَّ مُصْعَبًا لَمَّا سَارَ إِلَيْهِ فَبَلَغَهُ مَسِيرُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَحْمَرَ بْنَ شُمَيْطٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَاقِعَهُ بِالْمَذَارِ، وَقَالَ: إِنَّ الْفَتْحَ بِالْمَذَارِ ; لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُفْتَحُ عَلَيْهِ بِالْمَذَارِ فَتْحٌ عَظِيمٌ، فَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْحَجَّاجِ فِي قِتَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ.
وَأَمَرَ مُصْعَبٌ عَبَّادًا الْحَطَمِيَّ بِالْمَسِيرِ إِلَى جَمْعِ الْمُخْتَارِ، فَتَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ مَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَبَقِيَ مُصْعَبٌ عَلَى نَهْرِ الْبَصْرِيِّينَ، وَخَرَجَ الْمُخْتَارُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا، وَزَحَفَ مُصْعَبٌ وَمَنْ مَعَهُ، فَوَافُوهُ مَعَ اللَّيْلِ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ لِأَصْحَابِهِ: لَا يَبْرَحَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتَّى يَسْمَعَ مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ، فَإِذَا سَمِعْتُمُوهُ فَاحْمِلُوا.
فَلَمَّا طَلَعَ الْقَمَرُ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَحَمَلُوا عَلَى أَصْحَابِ مُصْعَبٍ، فَهَزَمُوهُمْ وَأَدْخَلُوهُمْ عَسْكَرَهُمْ، فَلَمْ يَزَالُوا يُقَاتِلُونَهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا، وَأَصْبَحَ الْمُخْتَارُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَوْغَلُوا فِي أَصْحَابِ مُصْعَبٍ، فَانْصَرَفَ الْمُخْتَارُ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ قَصْرَ الْكُوفَةِ، وَجَاءَ أَصْحَابُهُ حِينَ أَصْبَحُوا فَوَقَفُوا مَلِيًّا، فَلَمْ يَرَوُا الْمُخْتَارَ فَقَالُوا: قَدْ قُتِلَ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ مَنْ أَطَاقَ الْهَرَبَ، فَاخْتَفُوا بِدُورِ الْكُوفَةِ، وَتَوَجَّهَ مِنْهُمْ نَحْوَ الْقَصْرِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، فَوَجَدُوا الْمُخْتَارَ فِي الْقَصْرِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَكَانُوا قَدْ قَتَلُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ أَصْحَابِ مُصْعَبٍ خَلْقًا كَثِيرًا، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ. وَأَقْبَلَ مُصْعَبٌ فَأَحَاطَ بِالْقَصْرِ، وَحَاصَرَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، يَخْرُجُ الْمُخْتَارُ كُلَّ يَوْمٍ فَيُقَاتِلُهُمْ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ.
فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ بَعَثَ مَنْ فِي الْقَصْرِ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَأَبَى مُصْعَبٌ، فَنَزَلُوا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute