حُكْمِهِ، فَقَتَلَ مِنَ الْعَرَبِ سَبْعُمِائَةٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْعَجَمِ، وَكَانَ عِدَّةُ الْقَتْلَى سِتَّةَ آلَافِ رَجُلٍ.
وَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ كَانَ عُمُرُهُ سَبْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ قَتْلُهُ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ.
قِيلَ: إِنَّ مُصْعَبًا لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: أَنَا ابْنُ أَخِيكَ مُصْعَبٍ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ الْقَاتِلُ سَبْعَةَ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرَ مَا بَدَا لَكَ. فَقَالَ مُصْعَبٌ: إِنَّهُمْ كَانُوا كَفَرَةً فَجَرَةً. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتَ عِدَّتَهُمْ غَنَمًا مِنْ تُرَاثِ أَبِيكَ لَكَانَ ذَلِكَ سَرَفًا.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ قَتْلُ الْكَذَّابِ؟ قَالَ: وَمَنِ الْكَذَّابُ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ: قَدْ بَلَغَنِي قَتْلُ الْمُخْتَارِ. قَالَ: كَأَنَّكَ نَكَرْتَ تَسْمِيَتَهُ كَذَّابًا، وَمُتَوَجِّعٌ لَهُ. قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ قَتَلَ قَتَلَتَنَا، وَطَلَبَ ثَأْرَنَا، وَشَفَى غَلِيلَ صُدُورِنَا، وَلَيْسَ جَزَاؤُهُ مِنَّا الشَّتْمَ وَالشَّمَاتَةَ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: قَدْ قُتِلَ الْكَذَّابُ الْمُخْتَارُ، وَهَذَا رَأْسُهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ بَقِيَتْ لَكُمْ عَقَبَةٌ كَئُودٌ فَإِنْ صَعِدْتُمُوهَا فَأَنْتُمْ أَنْتُمْ، وَإِلَّا فَلَا. يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ.
وَكَانَتْ هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَقْبَلَانِهَا، وَقِيلَ: رَدَّ ابْنُ عُمَرَ هَدِيَّتَهُ.
ذِكْرُ عَزْلِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَوِلَايَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَخَاهُ مُصْعَبًا عَنِ الْعِرَاقِ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ الْمُخْتَارَ، وَوَلَّى مَكَانَهُ ابْنَهُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ حَمْزَةُ جَوَّادًا مُخَلَّطًا، يَجُودُ أَحَيَانًا حَتَّى لَا يَدَعَ شَيْئًا يَمْلِكُهُ، وَيَمْنَعُ أَحْيَانًا مَا لَا يَمْنَعُ مِثْلُهُ، وَظَهَرَ مِنْهُ بِالْبَصْرَةِ خِفَّةٌ وَضَعْفٌ، فَيُقَالُ إِنَّهُ رَكِبَ يَوْمًا فَرَأَى فَيْضَ الْبَصْرَةِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْغَدِيرَ إِنْ رَفَقُوا بِهِ لَيَكْفِيَنَّهُمْ صَيَفَهُمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ رَآهُ جَازِرًا فَقَالَ: قَدْ قُلْتُ لَوْ رَفَقُوا بِهِ لَكَفَاهُمْ. وَظَهَرَ مِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ الْأَحْنَفُ إِلَى أَبِيهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْهُمْ وَيُعِيدَ مُصْعَبًا، فَعَزَلَهُ، فَاحْتَمَلَ مَالًا كَثِيرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute