وَكَانَ الْخَوَارِجُ قَدِ اسْتَعْمَلُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَ قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَاحُوزِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْمَاحُوزِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، فَجَاءَتِ الْخَوَارِجُ إِلَى إِصْطَخْرَ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ عُمَرُ ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ فِي خَيْلٍ، فَاقْتَتَلُوا فَقُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَرَادَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْمَاحُوزِ قِتَالَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ قَطَرِيٌّ: إِنَّ عُمَرَ مَأْثُورٌ فَلَا نُقَاتِلُهُ. فَأَبَى فَقَاتَلَهُ، فَقُتِلَ مِنْ فُرْسَانِ الْخَوَارِجِ تِسْعُونَ رَجُلًا، وَطَعَنَ عُمَرُ صَالِحَ بْنَ مُخَارِقٍ، فَشَتَرَ عَيْنَهُ، وَضَرَبَ قَطَرِيًّا عَلَى جَبِينِهِ فَفَلَقَهُ، وَانْهَزَمَتِ الْخَوَارِجُ وَسَارُوا إِلَى سَابُورَ، فَعَادَ عُمَرُ وَلَقِيَهُمْ بِهَا وَمَعَهُ مُجَّاعَةُ بْنُ سِعْرٍ، فَقَتَلَ مُجَّاعَةُ بِعَمُودٍ كَانَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ، وَكَادَ عُمَرُ يَهْلِكُ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ، فَدَافَعَ عَنْهُ مُجَّاعَةُ، فَوَهَبَ لَهُ عُمَرُ تِسْعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقِيلَ فِي ذَلِكَ: قَدْ ذُدْتُ عَادِيَةَ الْكَتِيبَةِ عَنْ فَتًى قَدْ كَادَ يُتْرَكُ لَحْمُهُ أَقْطَاعَا
وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَسَارُوا وَقَطَعُوا قَنْطَرَةً بَيْنَهُمَا لِيَمْتَنِعَ مِنْ طَلَبِهِمْ، وَقَصَدُوا نَحْوَ أَصْبَهَانَ، فَأَقَامُوا عِنْدَهَا حَتَّى قَوَوْا وَاسْتَعَدُّوا، ثُمَّ أَقْبَلُوا حَتَّى مَرُّوا بِفَارِسَ وَبِهَا عُمَرُ، فَقَطَعُوهَا فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُمْ بِهِ، أَخَذُوا عَلَى سَابُورَ، ثُمَّ عَلَى أَرَّجَانَ، حَتَّى أَتَوُا الْأَهْوَازَ.
فَقَالَ مُصْعَبٌ: الْعَجَبُ لِعُمَرَ! قَطَعَ الْعَدُوُّ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ مُحَارَبَتِهِ أَرْضَ فَارِسَ فَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ وَفَرَّ كَانَ أَعْذَرَ لَهُ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا ابْنَ مَعْمَرٍ مَا أَنْصَفْتَنِي، تَجْبِي الْفَيْءَ وَتَحِيدُ عَنِ الْعَدُوِّ، فَاكْفِنِي أَمْرَهُمْ.
فَسَارَ عُمَرُ مِنْ فَارِسَ فِي أَثَرِهِمْ مُجِدًّا يَرْجُو أَنْ يَلْحَقَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْعِرَاقَ، وَخَرَجَ مُصْعَبٌ فَعَسْكَرَ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَكْبَرِ، وَعَسْكَرَ النَّاسُ مَعَهُ، وَبَلَغَ الْخَوَارِجَ وَهُمْ بِالْأَهْوَازِ إِقْبَالُ عُمَرَ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّ مُصْعَبًا قَدْ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْمَاحُوزِ: مِنْ سُوءِ الرَّأْيِ وُقُوعُكُمْ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّوْكَتَيْنِ، انْهَضُوا بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا نَلْقَهُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. فَسَارَ بِهِمْ فَقَطَعَ بِهِمْ أَرْضَ جُوخَى وَالنَّهْرَوَانَاتِ، فَأَتَى الْمَدَائِنَ وَبِهَا كَرْدَمُ بْنُ مَرْثَدٍ الْقُرَادِيُّ، فَشَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَدَائِنِ يَقْتُلُونَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ، وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَ الْحُبَالَى. فَهَرَبَ كَرْدَمُ، وَأَقْبَلُوا إِلَى سَابَاطَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِي النَّاسِ يَقْتُلُونَ، وَأَرْسَلُوا جَمَاعَةً إِلَى الْكَرْخِ، فَلَقُوا أَبَا بَكْرِ بْنَ مِخْنَفٍ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ أَبُو بَكْرٍ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَأَفْسَدَ الْخَوَارِجُ فِي الْأَرْضِ.
فَأَتَى أَهْلُ الْكُوفَةِ أَمِيرَهُمْ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَلَقَبُهُ الْقُبَاعُ، فَصَاحُوا بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute