وَقَالُوا: اخْرُجْ فَإِنَّ الْعَدُوَّ قَدْ أَظَلَّ عَلَيْنَا لَيْسَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ. فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ النُّخَيْلَةَ فَأَقَامَ أَيَّامًا، فَوَثَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ، فَحَثَّهُ عَلَى الْمَسِيرِ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ دَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى دَخَلَ إِلَيْهِ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، فَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ بُطْءَ مَسِيرِهِ رَجَزُوا بِهِ فَقَالُوا:
سَارَ بِنَا الْقُبَاعُ سَيْرًا نُكْرَا ... يَسِيرُ يَوْمًا وَيُقِيمُ شَهْرَا
فَسَارَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَكَانَ كُلَّمَا نَزَلَ مَنْزِلًا أَقَامَ بِهِ حَتَّى يَصِيحَ بِهِ النَّاسُ، فَبَلَغَ الْفُرَاتَ فِي بِضْعَةِ عَشْرَ يَوْمًا، فَأَتَاهَا وَقَدِ انْتَهَى إِلَيْهَا الْخَوَارِجُ، فَقَطَعُوا الْجِسْرَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَأَخَذُوا رَجُلًا اسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعَهُ بِنْتٌ لَهُ، فَأَخَذُوهَا لِيَقْتُلُوهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ! إِنَّ أَبِي مُصَابٌ فَلَا تَقْتُلُوهُ، وَأَمَّا أَنَا فَجَارِيَةٌ، وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُ فَاحِشَةً قَطُّ، وَلَا آذَيْتُ جَارَةً لِي، وَلَا تَطَلَّعْتُ وَلَا تَشَرَّفْتُ قَطُّ. فَلَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهَا سَقَطَتْ مَيِّتَةً، فَقَطَّعُوهَا بِأَسْيَافِهِمْ، وَبَقِيَ سِمَاكٌ مَعَهُمْ حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى الصَّرَاةِ، فَاسْتَقْبَلَ أَهْلَ الْكُوفَةِ فَنَادَاهُمُ: اعْبُرُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَلِيلٌ خَبِيثٌ. فَضَرَبُوا عُنُقَهُ وَصَلَبُوهُ.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ لِلْحَارِثِ: انْدُبْ مَعِيَ النَّاسَ حَتَّى أَعْبُرَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْكِلَابِ فَأَجِيئَكَ بِرُءُوسِهِمْ. فَقَالَ شَبَثٌ، وَأَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، دَعْهُمْ فَلْيَذْهَبُوا. وَكَأَنَّهُمْ حَسَدُوا إِبْرَاهِيمَ.
فَلَمَّا رَأَى الْخَوَارِجُ كَثْرَةَ النَّاسِ قَطَعُوا الْجِسْرَ، وَاغْتَنَمَ ذَلِكَ الْحَارِثُ فَتَحَبَّسَ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْقِتَالِ الرَّمْيَةُ بِالنَّبْلِ وَإِشْرَاعُ الرِّمَاحِ وَالطَّعْنُ، ثُمَّ الطَّعْنُ شَزْرًا، ثُمَّ السَّلَّةُ آخِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قَدْ أَحْسَنَ الْأَمِيرُ الصِّفَةَ، وَلَكِنْ مَتَى نَصْنَعُ هَذَا وَهَذَا الْبَحْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَمُرْ بِهَذَا الْجِسْرِ فَلْيُعْقَدْ، ثُمَّ عَبِّرْنَا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيُرِيكَ مَا تُحِبُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute