للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الْعَرِيضَةِ مَسْلَكٌ

وَأَيُّ امْرِئٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبُهْ

وَقَالَ:

بِأَيِّ بَلَاءٍ أَمْ بِأَيَّةِ نِعْمَةٍ ... تَقَدَّمَ قَبْلِي مُسْلِمٌ وَالْمُهَلَّبُ

؟

يَعْنِي مُسْلِمَ بْنَ عَمْرٍو وَالِدَ قُتَيْبَةَ، وَالْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ.

وَكَلَّمَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَوْمًا مِنْ وُجُوهِ مَذْحِجٍ لِيَشْفَعُوا لَهُ إِلَى مُصْعَبٍ، وَأَرْسَلَ إِلَى فِتْيَانِ مَذْحِجٍ وَقَالَ: الْبَسُوا السِّلَاحَ وَاسْتُرُوهُ، فَإِنْ شَفَّعَهُمْ مُصْعَبٌ فَلَا تَعْتَرِضُوا لِأَحَدٍ، وَإِنْ خَرَجُوا وَلَمْ يُشَفِّعْهُمْ فَاقْصِدُوا السِّجْنَ، فَإِنِّي سَأُعِينُكُمْ مِنْ دَاخِلٍ.

فَلَمَّا شَفَعَ أُولَئِكَ النَّفَرُ فِيهِ شَفَّعَهُمْ مُصْعَبٌ وَأَطْلَقَهُ، فَأَتَى مَنْزِلَهُ وَأَتَاهُ النَّاسُ يُهَنِّئُونَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِمِثْلِ الْخُلَفَاءِ الْمَاضِينَ الْأَرْبَعَةِ، وَلَمْ نَرَ لَهُمْ فِينَا شَبِيهًا فَنُلْقِي إِلَيْهِ أَزِمَّتَنَا، فَإِنْ كَانَ مَنْ عَزَّ بَزَّ فَعَلَامَ نَعْقِدُ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةً، وَلَيْسُوا بِأَشْجَعَ مِنَّا لِقَاءً وَلَا أَعْظَمَ مَنَاعَةً؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -» ، وَكُلُّهُمْ عَاصٍ مُخَالِفٌ، قَوِيُّ الدُّنْيَا ضَعِيفُ الْآخِرَةِ، فَعَلَامَ تُسْتَحَلُّ حُرْمَتُنَا وَنَحْنُ أَصْحَابُ النُّخَيْلَةِ وَالْقَادِسِيَّةِ وَجَلُولَاءَ وَنَهَاوَنْدَ؟ نَلْقَى الْأَسِنَّةَ بِنُحُورِنَا، وَالسُّيُوفَ بِجِبَاهِنَا، ثُمَّ لَا يُعْرَفُ حَقُّنَا وَفَضْلُنَا؟ فَقَاتِلُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ، فَإِنِّي قَدْ قَلَبْتُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، وَأَظْهَرْتُ لَهُمُ الْعَدَاوَةَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَخَرَجَ عَنِ الْكُوفَةِ وَحَارَبَهُمْ وَأَغَارَ.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ سَيْفَ بْنَ هَانِئٍ الْمُرَادِيَّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ خَرَاجَ بَادُورَيَا وَغَيْرِهَا، وَيَدْخُلُ فِي الطَّاعَةِ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ الْأَبْرَدَ بْنَ قُرَّةَ الرِّيَاحِيَّ فَقَاتَلَهُ، فَهَزَمَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَيْضًا حُرَيْثَ بْنَ يَزِيدَ، فَقَتَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ الْحَجَّاجَ بْنَ جَارِيَةَ الْخَثْعَمِيَّ وَمُسْلِمَ بْنَ عَمْرٍو، فَلَقِيَاهُ بِنَهْرِ صَرْصَرَ، فَقَاتَلَهُمَا فَهَزَمَهُمَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ يَدْعُوهُ إِلَى الْأَمَانِ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ يُوَلِّيَهُ أَيَّ بَلَدٍ شَاءَ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَتَى نَرْسَى فَفَرَّ دِهْقَانُهَا بِمَالِ الْفَلُّوجَةِ، فَتَبِعَهُ ابْنُ الْحُرِّ حَتَّى مَرَّ بِعَيْنِ تَمْرٍ وَعَلَيْهَا بِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ، فَالْتَجَأَ إِلَيْهِمُ الدِّهْقَانُ، فَخَرَجُوا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَاتَلُوهُ، وَوَافَاهُمُ الْحَجَّاجُ بْنُ جَارِيَةَ الْخَثْعَمِيُّ فَحَمَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَسَرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَسَرَ أَيْضًا بِسْطَامَ بْنَ مَصْقَلَةَ وَنَاسًا كَثِيرًا، وَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَخَذُوا الْمَالَ الَّذِي مَعَ الدِّهْقَانِ، وَأَطْلَقَ الْأَسْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>