ثُمَّ إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَتَى تَكْرِيتَ، فَأَقَامَ يَجْبِي الْخَرَاجَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ الْأَبْرَدَ بْنَ قُرَّةَ الرِّيَاحِيَّ، وَالْجَوْنَ بْنَ كَعْبٍ الْهَمْدَانِيَّ، فِي أَلْفٍ، وَأَمَدَّهُمُ الْمُهَلَّبُ بِيَزِيدَ بْنِ الْمُغَفَّلِ فِي خَمْسِمِائَةٍ، فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَدْ أَتَاكَ جَمْعٌ كَثِيرٌ فَلَا تُقَاتِلْهُمْ. فَقَالَ:
يُخَوِّفُنِي بِالْقَتْلِ قَوْمِي وَإِنَّمَا ... أَمُوتُ إِذَا جَاءَ الْكِتَابُ الْمُؤَجَّلُ
لَعَلَّ الْقَنَا تُدْنِي بِأَطْرَافِهَا الْغِنَى ... فَنَحْيَا كِرَامًا أَوْ نَكُرَّ فَنُقْتَلُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفَقْرَ يُزْرِي بِأَهْلِهِ ... وَأَنَّ الْغِنَى فِيهِ الْعُلَى وَالتَّجَمُّلُ
وَإِنَّكَ إِلَّا تَرْكَبِ الْهَوْلَ لَا تَنَلْ ... مِنَ الْمَالِ مَا يُرْضِي الصَّدِيقَ وَيَفْضُلُ
وَقَاتَلَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ يَوْمَيْنِ وَهُوَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمَسَاءِ تَحَاجَزُوا، وَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ مِنْ تَكْرِيتَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِرٌ بِكُمْ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَتَجَهَّزُوا، وَقَالَ: إِنِّي خَائِفٌ أَنْ أَمُوتَ وَلَمْ أَذْعَرْ مُصْعَبًا وَأَصْحَابَهُ.
وَسَارَ نَحْوَ الْكُوفَةِ فَبَلَغَ كَسْكَرَ، فَأَخَذَ بَيْتَ مَالِهَا، ثُمَّ أَتَى الْكُوفَةَ فَنَزَلَ بِحَمَّامِ جَرِيرٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ فَقَاتَلَهُ، (فَخَرَجَ إِلَى دَيْرِ الْأَعْوَرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ حَجَّارَ بْنَ أَبْجَرَ، فَانْهَزَمَ حَجَّارٌ، فَشَتَمَهُ مُصْعَبٌ وَضَمَّ إِلَيْهِ الْجَوْنَ بْنَ كَعْبٍ الْهَمْدَانِيَّ وَعُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، فَقَاتَلُوهُ) بِأَجْمَعِهِمْ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحَاتُ فِي عَسْكَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُرِّ، وَعُقِرَتْ خُيُولُهُمْ، فَانْهَزَمَ حَجَّارٌ، ثُمَّ رَجَعَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى أَمْسَوْا، وَخَرَجَ ابْنُ الْحُرِّ مِنَ الْكُوفَةِ.
وَكَتَبَ مُصْعَبٌ إِلَى زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ رُوَيْمٍ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، يَأْمُرُهُ بِقِتَالِ ابْنِ الْحُرِّ، فَقَدَّمَ ابْنَهُ حَوْشَبًا، فَلَقِيَهُ بِبَاجِسْرَى، فَهَزَمَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقَتَلَ فِيهِمْ، وَأَقْبَلَ ابْنُ الْحُرِّ إِلَى الْمَدَائِنِ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ، فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْجَوْنَ بْنَ كَعْبٍ الْهَمْدَانِيَّ وَبِشْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيَّ، فَنَزَلَ الْجَوْنُ بِحَوْلَايَا، وَقَدِمَ بِشْرٌ إِلَى تَامَرَّا فَلَقِيَ ابْنَ الْحُرِّ، فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحُرِّ وَهَزَمَ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ لَقِيَ الْجَوْنَ بْنَ كَعْبٍ بِحَوْلَايَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحُرِّ وَهَزَمَ أَصْحَابَهُ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ الْعِجْلِيُّ، فَقَاتَلَهُ بِسُورَاءَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَرَجَعَ عَنْهُ بَشِيرٌ، وَأَقَامَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute