أَرْسَلَ إِلَى عَمْرٍو أَنِ ائْتِنِي، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ اسْتَشَارَ كُرَيْبَ بْنَ أَبْرَهَةَ الْحِمْيَرِيَّ فِي قَتْلِ عَمْرٍو، فَقَالَ: لَا نَاقَةَ لِي فِي هَذَا وَلَا جَمَلَ، فِي مِثْلِ هَذَا هَلَكَتْ حِمْيَرٌ.
فَلَمَّا أَتَى الرَّسُولُ عَمْرًا يَدْعُوهُ صَادَفَ عِنْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لِعَمْرٍو: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَمِنْ بَصَرِي، وَأَرَى لَكَ أَنْ لَا تَأْتِيَهُ. فَقَالَ عَمْرٌو: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ تُبَيْعَ ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ عَظِيمًا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ يَرْجِعُ فَيَغْلِقُ أَبْوَابَ دِمَشْقَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ نَائِمًا مَا انْتَهَبَنِي ابْنُ الزَّرْقَاءِ وَلَا اجْتَرَأَ عَلَيَّ، أَمَا إِنِّي رَأَيْتُ عُثْمَانَ الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ فَأَلْبَسَنِي قَمِيصَهُ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ زَوْجَ ابْنَةِ عَمْرٍو. ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو لِلرَّسُولِ: أَنَا رَائِحٌ الْعَشِيَّةَ.
فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ لَبِسَ عَمْرٌو دِرْعًا وَلَبِسَ عَلَيْهَا الْقَبَاءَ وَتَقَلَّدَ سَيْفَهُ، وَعِنْدَهُ حُمَيْدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْكَلْبِيُّ، فَلَمَّا نَهَضَ مُتَوَجِّهًا عَثُرَ بِالْبُسَاطِ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ: وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْتَنِي لَمْ تَأْتِهِ. وَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ الْكَلْبِيَّةُ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَمَضَى فِي مِائَةٍ مِنْ مَوَالِيهِ.
وَقَدْ جَمَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ عِنْدَهُ بَنِي مَرْوَانَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ أُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَلَمْ يَزَلْ أَصْحَابُهُ يُحْبَسُونَ عِنْدَ كُلِّ بَابٍ حَتَّى بَلَغَ قَارِعَةَ الدَّارِ وَمَا مَعَهُ إِلَّا وَصِيفٌ لَهُ، فَنَظَرَ عَمْرٌو إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَإِذَا حَوْلَهُ بَنُو مَرْوَانَ، وَحَسَّانُ بْنُ بَحْدَلٍ الْكَلْبِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيُّ، فَلَمَّا رَأَى جَمَاعَتَهُمْ أَحَسَّ بِالشَّرِّ، فَالْتَفَتَ إِلَى وَصِيفِهِ وَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى أَخِي يَحْيَى فَقُلْ لَهُ يَأْتِنِي، فَلَمْ يَفْهَمِ الْوَصِيفُ فَقَالَ لَهُ: لَبَّيْكَ! فَقَالَ عَمْرٌو: اغْرُبْ عَنِّي فِي حَرْقِ اللَّهِ وَنَارِهِ! وَأَذِنَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِحَسَّانَ وَقَبِيصَةَ، فَقَامَا فَلَقِيَا عَمْرًا فِي الدَّارِ، فَقَالَ عَمْرٌو لِوَصِيفِهِ: انْطَلِقْ إِلَى يَحْيَى فَمُرْهُ أَنْ يَأْتِيَنِي. فَقَالَ: لَبَّيْكَ! فَقَالَ عَمْرٌو: اغْرُبْ عَنِّي.
فَلَمَّا خَرَجَ حَسَّانُ وَقَبِيصَةُ أُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ وَدَخَلَ عَمْرٌو، فَرَحَّبَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: هَاهُنَا هَاهُنَا يَا أَبَا أُمَيَّةَ! فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، وَجَعَلَ يُحَادِثُهُ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، خُذِ السَّيْفَ عَنْهُ. فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّا لِلَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَتَطْمَعُ أَنْ تَجْلِسَ مَعِي مُتَقَلِّدًا سَيْفَكَ؟ فَأَخَذَ السَّيْفَ عَنْهُ، ثُمَّ تَحَدَّثَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، إِنَّكَ حَيْثُ خَلَعْتَنِي أَلَيْتُ بِيَمِينٍ إِنْ أَنَا مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْكَ وَأَنَا مَالِكٌ لَكَ أَنْ أَجْعَلَكَ فِي جَامِعَةٍ. فَقَالَ لَهُ بَنُو مَرْوَانَ: ثُمَّ تُطْلِقُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا عَسَيْتُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute