للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَصْنَعَ بِأَبِي أُمَيَّةَ؟ فَقَالَ بَنُو مَرْوَانَ: أَبِرَّ قَسَمَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عَمْرٌو: قَدْ أَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَأَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ فِرَاشِهِ جَامِعَةً وَقَالَ: يَا غُلَامُ، قُمْ فَاجْمَعْهُ فِيهَا. فَقَامَ الْغُلَامُ فَجَمَعَهُ فِيهَا. فَقَالَ عَمْرٌو: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تُخْرِجَنِي فِيهَا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَمَكْرًا يَا أَبَا أُمَيَّةَ عِنْدَ الْمَوْتِ؟ لَا وَاللَّهِ مَا كُنَّا لِنُخْرِجَكَ فِي جَامِعَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ. ثُمَّ جَذَبَهُ جَذْبَةً أَصَابَ فَمَهُ السَّرِيرُ فَكَسَرَ ثَنِيَّتَيْهِ. فَقَالَ عَمْرٌو: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُسِرَ عَظْمٌ مِنِّي فَلَا تَرْكَبْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تُبْقِي عَلَيَّ إِنْ أَنَا أَبْقَيْتُ عَلَيْكَ وَتَصْلُحُ قُرَيْشٌ لَأَطْلَقْتُكَ، وَلَكِنْ مَا اجْتَمَعَ رَجُلَانِ فِي بَلَدِهِ قَطُّ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلَّا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. فَلَمَّا رَأَى عَمْرٌو أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قَالَ: أَغَدْرًا يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ!

وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرًا لَمَّا سَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ جَعَلَ يَمَسُّهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَا عَمْرُو، أَرَى ثَنِيَّتَيْكَ قَدْ وَقَعَتَا مِنْكَ مَوْقِعًا لَا تَطِيبُ نَفْسُكَ بَعْدَهُ.

وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الْعَصْرَ فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَمَرَ أَخَاهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ عَمْرٌو: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ تَلِيَ قَتْلِي، لِيَقْتُلْنِي مَنْ هُوَ أَبْعَدُ رَحِمًا مِنْكَ. فَأَلْقَى السَّيْفَ وَجَلَسَ، وَصَلَّى عَبْدُ الْمَلِكِ صَلَاةً خَفِيفَةً وَدَخَلَ وَغُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ. وَرَأَى النَّاسُ عَبْدَ الْمَلِكِ حِينَ خَرَجَ وَلَيْسَ مَعَهُ عَمْرٌو، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَأَقْبَلَ فِي النَّاسِ وَمَعَهُ أَلْفُ عَبْدٍ لِعَمْرٍو، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَثِيرٌ، فَجَعَلُوا يَصِيحُونَ بِبَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَسْمِعْنَا صَوْتَكَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ! فَأَقْبَلَ مَعَ يَحْيَى حُمَيْدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَزُهَيْرُ بْنُ الْأَبْرَدِ، فَكَسَرُوا بَابَ الْمَقْصُورَةِ وَضَرَبُوا النَّاسَ بِالسُّيُوفِ، وَضُرِبَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى رَأْسِهِ، وَاحْتَمَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرَبِيٍّ صَاحِبُ الدِّيوَانِ، فَأَدْخَلَهُ بَيْتَ الْقَرَاطِيسِ.

وَدَخَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ حِينَ صَلَّى فَرَأَى عَمْرًا بِالْحَيَاةِ، فَقَالَ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقْتُلَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ نَاشَدَنِي اللَّهَ وَالرَّحِمَ فَرَقَقْتُ لَهُ. فَقَالَ لَهُ: أَخْزَى اللَّهُ أُمَّكَ الْبَوَّالَةَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>