للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى امْرَأَةِ عَمْرٍو الْكَلْبِيَّةِ: ابْعَثِي إِلَيَّ كِتَابَ الصُّلْحِ الَّذِي كَتَبْتُهُ لِعَمْرٍو. فَقَالَتْ لِرَسُولِهِ: ارْجِعْ فَأَعْلِمْهُ أَنَّ ذَلِكَ الصُّلْحَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ لِيُخَاصِمَكَ عِنْدَ رَبِّهِ.

وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَعَمْرٌو يَلْتَقِيَانِ فِي النَّسَبِ فِي أُمَيَّةَ، هَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَذَاكَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَتْ أُمُّ عَمْرٍو أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ الْحَكَمِ عَمَّةَ عَبْدِ الْمَلِكِ.

فَلَمَّا قَتَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُصْعَبًا، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ - دَخَلَ أَوْلَادُ عَمْرٍو عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ: أُمَيَّةُ، وَسَعِيدٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَمُحَمَّدٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ قَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ تَزَالُوا تَرَوْنَ لَكُمْ عَلَى جَمِيعِ قَوْمِكُمْ فَضْلًا لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ لَكُمْ، وَإِنَّ الَّذِي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِيكُمْ لَمْ يَكُنْ حَدِيثًا، وَلَكِنْ كَانَ قَدِيمًا فِي أَنْفُسِ أَوَّلِيكُمْ عَلَى أَوَّلِينَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَأُقْطِعَ بِأُمَيَّةَ، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَامَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ الْأَوْسَطَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَنْعَى عَلَيْنَا أَمْرًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَهَدَمَ ذَلِكَ وَوَعَدَ جَنَّةً وَحَذَّرَ نَارًا، وَأَمَّا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ ابْنَ عَمِّكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا صَنَعْتَ، وَقَدْ وَصَلَ عَمْرٌو إِلَى اللَّهِ، وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا، وَلَعَمْرِي لَئِنْ أَخَذْتَنَا بِمَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَنَا مِنْ ظَهْرِهَا. فَرَقَّ لَهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: إِنَّ أَبَاكُمْ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَنِي أَوْ أَقْتُلَهُ، فَاخْتَرْتُ قَتْلَهُ عَلَى قَتْلِي، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمَا أَرْغَبَنِي فِيكُمْ، وَأَوْصَلَنِي لِقَرَابَتِكُمْ! وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُمْ وَوَصَلَهُمْ وَقَرَّبَهُمْ.

وَقِيلَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ ذَاتَ يَوْمٍ: عَجِبْتُ كَيْفَ أَصَبْتَ غِرَّةَ عَمْرٍو. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ:

أَدْنَيْتُهُ مِنِّي لِيَسْكُنَ رَوْعُهُ ... فَأَصُولُ صَوْلَةَ حَازِمٍ مُسْتَمْكِنِ

غَضَبًا وَمَحْمِيَةً لِدِينِي إِنَّهُ ... لَيْسَ الْمُسِيءُ سَبِيلُهُ كَالْمُحْسِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>