وَقِيلَ: إِنَّمَا خَلْعُ عَمْرٍو وَقَتْلُهُ حِينَ سَارَ عَبْدُ الْمَلِكِ نَحْوَ الْعِرَاقِ لِقِتَالِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّكَ تَخْرُجُ إِلَى الْعِرَاقِ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَعَلَ لِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ قَاتَلْتُ مَعَهُ، فَاجْعَلْ هَذَا الْأَمْرَ لِي بَعْدَكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى ذَلِكَ، فَرَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ مِنْ قَتْلِهِ مَا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ: بَلْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَمْرًا عَلَى دِمَشْقَ، فَخَالَفَهُ وَتَحَصَّنَ بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِقَتْلِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ ابْنَ الزَّرْقَاءِ قَتَلَ لَطِيمَ الشَّيْطَانِ، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: ١٢٩] وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: ١٠] يُرْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِوَاءٌ عَلَى قَدْرِ غَدْرَتِهِ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ الْجَرَاجِمَةِ بِالشَّامِ
لَمَّا امْتَنَعَ عَمْرُوبْنُ سَعِيدٍ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ خَرَجَ أَيْضًا قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ الضَّوَاحِي فِي جَبَلِ اللُّكَّامِ، وَاتَّبَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْجَرَاجِمَةِ وَالْأَنْبَاطِ وَأُبَّاقِ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ سَارَ إِلَى لُبْنَانَ، فَلَمَّا فَرَغَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ عَمْرٍو أَرْسَلَ إِلَى هَذَا الْخَارِجِ عَلَيْهِ، فَبَذَلَ لَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَلْفَ دِينَارٍ، فَرَكَنَ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُفْسِدْ فِي الْبِلَادِ، ثُمَّ وَضَعَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ سُحَيْمَ بْنَ الْمُهَاجِرِ، فَتَلَطَّفَ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ مُتَنَكِّرًا، فَأَظْهَرَ لَهُ مُمَالَأَتَهُ، وَذَمَّ عَبْدَ الْمَلِكِ وَشَتَمَهُ، وَوَعَدَهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى عَوْرَاتِهِ وَمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الصُّلْحِ. فَوَثِقَ بِهِ. ثُمَّ إِنَّ سُحَيْمًا عَطَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ غَارُّونَ غَافِلُونَ بِجَيْشٍ مَعَ مَوَالِي عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَجُنْدٍ مِنْ ثِقَاتِ جُنْدِهِ وَشُجْعَانِهِمْ كَانَ أَعَدَّهُمْ بِمَكَانٍ خَفِيٍّ قَرِيبٍ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ: مَنْ أَتَانَا مِنَ الْعَبِيدِ، يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَهُوَ حُرٌّ وَيُثَبَّتَ فِي الدِّيوَانِ، فَانْفَضَّ إِلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَكَانُوا مِمَّنْ قَاتَلَ مَعَهُ، فَقُتِلَ الْخَارِجُ وَمَنْ أَعَانَهُ مِنَ الرُّومِ، وَقُتِلَ نَفَرٌ مِنَ الْجَرَاجِمَةِ وَالْأَنْبَاطِ، وَنَادَى الْمُنَادِي بِالْأَمَانِ فِيمَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ، فَتَفَرَّقُوا فِي قُرَاهُمْ وَسُدَّ الْخَلَلُ، وَعَادَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَفَى لِلْعَبِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute