وَشُغِلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْهُمَا بِمُصْعَبٍ، وَتَغَلَّبَ عُمَيْرٌ عَلَى نَصِيبِينَ. ثُمَّ إِنَّهُ مَلَّ الْمُقَامَ بِقَرْقِيسِيَا، فَاسْتَأْمَنَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَآمَنَهُ، ثُمَّ غَدَرَ بِهِ فَحَبَسَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ الرَّيَّانِ، فَسَقَاهُ عُمَيْرٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْحَرَسِ خَمْرًا حَتَّى أَسْكَرَهُمْ، وَتَسَلَّقَ فِي سُلَّمٍ مِنْ حِبَالٍ، وَخَرَجَ مِنَ الْحَبْسِ وَعَادَ إِلَى الْجَزِيرَةِ، وَنَزَلَ عَلَى نَهْرِ الْبَلِيخِ بَيْنَ حَرَّانَ وَالرَّقَّةِ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قَيْسٌ، فَكَانَ يُغِيرُ بِهِمْ عَلَى كَلْبٍ وَالْيَمَانِيَةِ، وَكَانَ مَنْ مَعَهُ يَسْتَأْوُونَ جَوَارِيَ تَغْلِبَ، وَيُسَخِّرُونَ مَشَايِخَهُمْ مِنَ النَّصَارَى، فَهَاجَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ شَرًّا لَمْ يَبْلُغِ الْحَرْبَ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَسِيرِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى مُصْعَبٍ وَزُفَرَ.
ثُمَّ إِنَّ عُمَيْرًا أَغَارَ عَلَى كَلْبٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَنَزَلَ عَلَى الْخَابُورِ، وَكَانَتْ مَنَازِلُ تَغْلِبَ بَيْنَ الْخَابُورِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ. وَكَانَتْ بِحَيْثُ نَزَلَ عُمَيْرٌ امْرَأَةٌ مِنْ تَمِيمٍ نَاكِحٌ فِي تَغْلِبَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ دُوَيْلٍ، فَأَخَذَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي الْحَرِيشِ أَصْحَابِ عُمَيْرٍ عَدَدًا مِنْ غَنَمِهَا، فَشَكَتْ إِلَى عُمَيْرٍ، فَلَمْ يَمْنَعْ عَنْهَا، فَأَخَذُوا الْبَاقِيَ، فَمَانَعَهُمْ قَوْمٌ مِنْ تَغْلِبَ، فَقُتِلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ التَّغْلِبِيُّ، وَجَاءَ دُوَيْلٌ فَشَكَتْ أُمُّهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ فَارِسًا مِنْ فُرْسَانِ تَغْلِبَ، فَسَارَ فِي قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يُذَكِّرُهُمْ مَا تَصْنَعُ بِهِمْ قَيْسٌ، وَيَشْكُوا إِلَيْهِمْ مَا أُخِذَ مِنْ غَنَمِ أُمِّهِ، فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ شُعَيْثَ بْنَ مُلَيْكٍ التَّغْلِبِيَّ، وَأَغَارُوا عَلَى بَنِي الْحَرِيشِ وَمَعَهُمْ قَوْمٌ مِنْ نُمَيْرٍ، فَقَتَلَ فِيهِمُ التَّغْلِبِيُّونَ، وَاسْتَاقُوا ذَوْدًا لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْهَيْثَمِ، فَمَانَعَهُمُ الْقَيْسِيُّونَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَنْعِهِمْ، فَقَالَ الْأَخْطَلُ:
فَإِنْ تَسْأَلُونَا بِالْحَرِيشِ فَإِنَّنَا ... مُنِينَا بِنُوكٍ مِنْهُمُ وَفُجُورِ
غَدَاةَ تَحَامَتْنَا الْحَرِيشُ كَأَنَّهَا ... كِلَابٌ بَدَتْ أَنْيَابُهَا لِهَرِيرِ
وَجَاؤُوا بِجَمْعٍ نَاصِرٍ أُمَّ هَثْيَمٍ ... فَمَا رَجَعُوا مِنْ ذَوْدِهَا بِبَعِيرِ
يَوْمُ مَاكِسِينَ
وَلَمَّا اسْتَحْكَمَ الشَّرُّ بَيْنَ قَيْسٍ وَتَغْلِبَ، وَعَلَى قَيْسٍ عُمَيْرٌ، وَعَلَى تَغْلِبَ شُعَيْثٌ، غَزَا عُمَيْرٌ بَنِي تَغْلِبَ وَجَمَاعَتَهُمْ بِمَاكِسِينَ مِنَ الْخَابُورِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَهِيَ أَوَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute