إِبْرَاهِيمُ، وَلَا إِبْرَاهِيمَ لِيَ الْيَوْمَ! ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَاسْتَدْنَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ كَيْفَ صَنَعَ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ النُّزُولِ عَلَى حُكْمِ ابْنِ زِيَادٍ وَعَزْمِهِ عَلَى الْحَرْبِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:
إِنَّ الْأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... تَأَسَّوْا فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّأَسِّيَا
قَالَ عُرْوَةُ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَبْرَحُ حَتَّى يُقْتَلَ.
ثُمَّ دَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ مِنْ مُصْعَبٍ وَنَادَاهُ: أَنَا ابْنُ عَمِّكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، فَاقْبَلْ أَمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، يَعْنِي أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. قَالَ: فَإِنَّ الْقَوْمَ خَاذِلُوكَ. فَأَبَى مَا عَرَضَ عَلَيْهِ. فَنَادَى مُحَمَّدٌ عِيسَى بْنَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَهُ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: انْظُرْ مَا يُرِيدُ مِنْكَ. فَدَنَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَكَ وَلِأَبِيكَ نَاصِحٌ وَلَكُمَا الْأَمَانُ. فَرَجَعَ إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّ الْقَوْمَ يَفُونَ لَكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ فَافْعَلْ. فَقَالَ: لَا تَتَحَدَّثُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَنِّي خَذَلْتُكَ، وَرَغِبْتُ بِنَفْسِي عَنْكَ. قَالَ: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ إِلَى عَمِّكَ بِمَكَّةَ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَدَعْنِي فَإِنِّي مَقْتُولٌ. فَقَالَ: لَا أُخْبِرُ عَنْكَ قُرَيْشًا أَبَدًا، وَلَكِنْ يَا أَبَهِ الْحَقْ بِالْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، أَوِ الْحَقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ مُصْعَبٌ: لَا تَتَحَدَّثُ قُرَيْشٌ أَنِّي فَرَرْتُ.
وَقَالَ لِابْنِهِ عِيسَى: تَقَدَّمْ إِذَنْ أَحْتَسِبُكَ، فَتَقَدَّمَ وَمَعَهُ نَاسٌ فَقُتِلَ وَقُتِلُوا، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لِيَحْتَزَّ رَأْسَ عِيسَى، فَحَمَلَ عَلَيْهِ مُصْعَبٌ فَقَتَلَهُ وَشَدَّ عَلَى النَّاسِ، فَانْفَرَجُوا لَهُ، وَعَادَ ثُمَّ حَمَلَ ثَانِيَةً فَانْفَرَجُوا لَهُ، وَبَذَلَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْأَمَانَ وَقَالَ: إِنَّهُ يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُقْتَلَ، فَاقْبَلْ أَمَانِي وَلَكَ حُكْمُكَ فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ. فَأَبَى وَجَعَلَ يُضَارِبُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: هَذَا وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الْكُمَاةُ نِزَالَهُ ... لَا مُمْعِنًا هَرَبًا وَلَا مُسْتَسْلِمَا
وَدَخَلَ مُصْعَبٌ سُرَادِقَهُ، فَتَحَنَّطَ وَرَمَى السُّرَادِقَ وَخَرَجَ فَقَاتَلَ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute