رِقَابَهُمْ، وَإِنْ ظَهَرْتَ مَنَنْتَ عَلَى عَشَائِرِهِمْ بِإِطْلَاقِهِمْ. فَقَالَ: إِنِّي لَفِي شُغُلٍ عَنْ ذَلِكَ، فَرَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَحْرٍ، يَعْنِي الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ، إِنْ كَانَ لَيُحَذِّرُنِي غَدْرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَيَقُولُ: هُمْ كَالْمُومِسَةِ تُرِيدُ كُلَّ يَوْمٍ بَعْلًا، وَهُمْ يُرِيدُونَ كُلَّ يَوْمٍ أَمِيرًا.
فَلَمَّا رَأَى قَيْسُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَا عَزَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدْرِ لِمُصْعَبٍ قَالَ لَهُمْ: وَيْحَكُمُ! لَا تُدْخِلُوا أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْكُمْ! فَوَاللَّهِ لَئِنْ يُطْعَمُوا بِعَيْشِكُمْ لَيُضَيِّقُنَّ عَلَيْكُمْ مَنَازِلَكُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ سَيِّدَ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى بَابِ الْخَلِيفَةِ يَفْرَحُ إِنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا فِي الصَّوَائِفِ وَإِنَّ زَادَ أَحَدِنَا عَلَى عِدَّةِ أَجَمَالٍ، وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْ وُجُوهِهِمْ لِيَغْزُو عَلَى فَرَسِهِ وَزَادُهُ خَلْفَهُ. فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ.
فَلَمَّا تَدَانَى الْعَسْكَرَانِ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى مُصْعَبٍ رَجُلًا مِنْ كَلْبٍ وَقَالَ لَهُ: أَقْرِئِ ابْنَ أُخْتِكَ السَّلَامَ - وَكَانَتْ أُمُّ مُصْعَبٍ كَلْبِيَّةً - وَقُلْ لَهُ يَدَعُ دُعَاءَهُ إِلَى أَخِيهِ، وَأَدَعُ دُعَائِي إِلَى نَفْسِي، وَيَجْعَلُ الْأَمْرَ شُورَى. فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: قُلْ لَهُ: السَّيْفُ بَيْنَنَا.
فَقَدَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَخَاهُ مُحَمَّدًا، وَقَدَّمَ مُصْعَبٌ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْتَرِ، فَالْتَقَيَا، فَتَنَاوَشَ الْفَرِيقَانِ، فَقُتِلَ صَاحِبُ لِوَاءِ مُحَمَّدٍ، وَجَعَلَ مُصْعَبٌ يَمُدُّ إِبْرَاهِيمَ، فَأَزَالَ مُحَمَّدًا عَنْ مَوْقِفِهِ، فَوَجَّهَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَقُتِلَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ وَالِدُ قُتَيْبَةَ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ مُصْعَبٍ، وَأَمَدَّ مُصْعَبٌ إِبْرَاهِيمَ بِعَتَّابِ بْنِ وَرْقَاءَ، فَسَاءَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ: قَدْ قُلْتُ لَهُ: لَا تَمُدَّنِي بِعَتَّابٍ وَضُرَبَائِهِ، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! فَانْهَزَمَ عَتَّابٌ بِالنَّاسِ، وَكَانَ قَدْ كَاتَبَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَبَايَعَهُ، فَلَمَّا انْهَزَمَ صَبَرَ ابْنُ الْأَشْتَرِ فَقُتِلَ، قَتَلَهُ عُبَيْدُ بْنُ مَيْسَرَةَ مَوْلَى بَنِي عُذْرَةَ، وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَتَقَدَّمَ أَهْلُ الشَّامِ فَقَاتَلَهُمْ مُصْعَبٌ، وَقَالَ لِقَطْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيِّ: قَدِّمْ خَيْلَكَ أَبَا عُثْمَانَ. فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ مَذْحِجٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ. فَقَالَ لِحَجَّارِ بْنِ أَبْخَرَ: يَا أَبَا أَسِيدٍ، قَدِّمْ خَيْلَكَ. قَالَ: إِلَى هَؤُلَاءِ الْأَنْتَانِ! قَالَ: مَا تَتَأَخَّرُ إِلَيْهِ أَنْتَنُ! فَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَحَدٌ هَذَا فَأَفْعَلُهُ. فَقَالَ مُصْعَبٌ: يَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute