فَغَلَبَ عَلَى الْبَصْرَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ عَلَى شُرَطِهَا، وَكَانَ لَحُمْرَانَ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَ قَتْلِ مُصْعَبٍ.
فَلَمَّا اسْتَوْلَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الْعِرَاقِ بَعْدَ قَتْلِهِ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْبَصْرَةِ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَوَجَّهَ خَالِدٌ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ إِلَيْهَا خَلِيفَةً لَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى حُمْرَانَ قَالَ: أَقَدْ جِئْتَ لَا جِئْتَ! فَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَيْهَا حَتَّى قَدِمَ خَالِدٌ، وَلَمَّا فَرَغَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَمْرِ الْعِرَاقِ عَادَ إِلَى الشَّامِ.
ذِكْرُ أَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَزُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي وَقْعَةِ رَاهِطٍ مَسِيرَ زُفَرَ إِلَى قَرْقِيسِيَا وَاجْتِمَاعَ قَيْسٍ عَلَيْهِ، وَالسَّبَبَ فِي اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَفِي طَاعَتِهِ. فَلَمَّا مَاتَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَوَلِيَ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَهُوَ عَلَى حِمْصٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى زُفَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمِيتٍ الطَّائِيُّ، فَوَاقَعَ عَبْدُ اللَّهِ زُفَرَ قَبْلَ وُصُولِ أَبَانَ، وَكَثُرَ فِي أَصْحَابِهِ الْقَتْلُ، قُتِلَ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَلَامَهُ أَبَانُ عَلَى عَجَلَتِهِ، وَأَقْبَلَ أَبَانُ فَوَاقَعَ زُفَرَ، فَقُتِلَ ابْنُهُ وَكِيعُ بْنُ زُفَرَ، وَأَدْرَكَتْ طَيِّءٌ ثَقَلَ زُفَرَ وَنِسَاءِهِ، فَاسْتَوْهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ النِّسَاءَ وَأَلْحَقَهُنَّ بِزُفَرَ بِقَرْقِيسِيَا، فَقَالَ زُفَرُ:
عَلِقْنَ بِحَبْلٍ مِنْ حُصَيْنٍ لَوَ انَّهُ ... تَغَيَّبَ حَالَتْ دُونَهُنَّ الْمَصَائِرُ
أَبُوكُمْ أَبُونَا فِي الْقَدِيمِ وَإِنَّنِي ... لِغَابِرُكُمْ فِي آخِرِ الدَّهْرِ شَاكِرُ
وَكَانَ يُقَالُ لِزُفَرَ إِنَّهُ مِنْ كِنْدَةَ.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى مُصْعَبٍ سَارَ إِلَى قَرْقِيسِيَا، فَحَصَرَ زُفَرَ فِيهَا وَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، فَأَمَرَ زُفَرُ أَنْ يُنَادِيَ [فِي] عَسْكَرِ عَبْدِ الْمَلِكِ: لِمَ نَصَبْتُمْ عَلَيْنَا الْمَجَانِيقَ؟ قَالَ: لِنَثْلِمَ ثُلْمَةً نُقَاتِلُكُمْ عَلَيْهَا. فَقَالَ زُفَرُ: قُولُوا لَهُمْ: فَإِنَّا لَا نُقَاتِلُكُمْ مِنْ وَرَاءِ الْحِيطَانِ، وَلَكِنَّا نَخْرُجُ إِلَيْكُمْ. وَثَلَمَتِ الْمَنْجَنِيقُ مِنَ الْمَدِينَةِ بُرْجًا مِمَّا يَلِي حُرَيْثَ بْنَ بَحْدَلٍ، فَقَالَ زُفَرُ:
لَقَدْ تَرَكَتْنِي مَنْجَنِيقُ ابْنِ بَحْدَلٍ ... أَحِيدُ عَنِ الْعُصْفُورِ حِينَ يَطِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute