وَكَانَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مُجِدًّا فِي قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ مِنْ بَنِي كَلَابٍ: لَأَقُولَنَّ لِخَالِدٍ كَلَامًا لَا يَعُودُ إِلَى مَا يَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ خَالِدٌ لِلْمُحَارَبَةِ، فَقَالَ لَهُ الْكَلَابِيُّ: مَاذَا ابْتِغَاءُ خَالِدٍ وَهَمُّهْ إِذْ سَلَبَ الْمُلْكَ وَنِيكَتُ امُّهْ
فَاسْتَحْيَا وَعَادَ وَلَمْ يَرْجِعْ يُقَاتِلُهُمْ.
وَقَالَتْ كَلْبٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: إِنَّا إِذَا لَقِيَنَا زُفَرَ انْهَزَمَتِ الْقَيْسِيَّةُ الَّذِينَ مَعَكَ، فَلَا تَخْلِطْهُمْ مَعَنَا. فَفَعَلَ، فَكَتَبَتِ الْقَيْسِيَّةُ عَلَى نَبْلِهَا: إِنَّهُ لَيْسَ يُقَاتِلُكُمْ غَدًا مُضَرِيٌّ، وَرَمَوُا النَّبْلَ إِلَى قَرْقِيسِيَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ زُفَرُ دَعَا ابْنَهُ الْهُذَيْلَ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، وَقِيلَ: [كَانَ] يُكَنَّى أَبَا الْكَوْثَرِ، فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَشُدَّ عَلَيْهِمْ شَدَّةً لَا تَرْجِعْ حَتَّى تَضْرِبَ فُسْطَاطَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْتَ دُونَ أَنْ تَطَأَ أَطْنَابَ فُسْطَاطِهِ لَأَقْتُلَنَّكَ. فَجَمَعَ الْهُذَيْلُ خَيْلَهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَصَبَرُوا قَلِيلًا ثُمَّ انْكَشَفُوا، وَتَبِعَهُمُ الْهُذَيْلُ بِخَيْلِهِ حَتَّى وَطِئُوا أَطْنَابَ الْفُسْطَاطِ وَقَطَعُوا بَعْضَهَا ثُمَّ رَجَعُوا، فَقَبَّلَ زُفَرُ رَأَسَ الْهُذَيْلِ وَقَالَ: لَا يَزَالُ عَبْدُ الْمَلِكِ يُحِبُّكَ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَقَالَ الْهُذَيْلُ: وَاللَّهِ لَوْ شِئْتَ أَنْ أَدْخُلَ الْفُسْطَاطَ لَفَعَلْتُ. فَقَالَ زُفَرُ:
أَلَا لَا أُبَالِي مَنْ أَتَاهُ حِمَامُهُ ... إِذَا مَا الْمَنَايَا عَنْ هُذَيْلٍ تَجَلَّتِ
تَرَاهُ أَمَامَ الْخَيْلِ أَوَّلَ فَارِسٍ ... وَيَضْرِبُ فِي أَعْجَازِهَا إِنْ تَوَلَّتِ
وَلَمَّا ثُلِمَ بُرْجُ قَرْقِيسِيَا قَالَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بَعْضُ أَهْلِهِ: لَوْ قَاتَلْتَهُمْ بِقُضَاعَةَ لَمَلَكْتَهُمْ. فَفَعَلَ وَقَاتَلَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمَسَاءِ انْكَشَفَتْ قُضَاعَةُ وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَأَقْبَلَ رُوحُ بْنُ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيُّ إِلَى بُرْجٍ مِنْهَا، فَسَأَلَ أَهْلَهُ وَقَالَ: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ كَمْ قَتَلْنَا مِنْكُمْ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَمْ يُقْتَلْ مِنَّا أَحَدٌ، وَلَمْ يُجْرَحْ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالُوا: نَشَدْنَاكَ اللَّهَ كَمْ قُتِلَ مِنْكُمْ؟ قَالَ: عِدَّةُ فُرْسَانٍ، وَجَرَحْتُمْ مَا لَا يُحْصَى، فَلَعَنَ اللَّهُ ابْنَ بَحْدَلٍ!
وَرَجَعَ رَوْحٌ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَالَ: إِنَّ ابْنَ بَحْدَلٍ يُمَنِّيكَ الْبَاطِلَ، فَأَعْرِضْ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ.
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهُ الذَّيَّالُ يَخْرُجُ فَيَسُبُّ زُفَرَ فَيُكْثِرُ، فَقَالَ زُفَرُ لِلْهُذَيْلِ ابْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute