أَوْ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: أَمَا تَكْفِينِي هَذَا؟ قَالَ: أَنَا أَجِيئُكَ بِهِ. فَدَخَلَ عَسْكَرَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَيْلًا فَجَعَلَ يُنَادَى: مَنْ يَعْرِفُ بَغْلًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خِبَاءِ الرَّجُلِ وَقَدْ عَرَفَهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ضَالَّتَكَ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ عَيِيتُ فَلَوْ أَذِنْتَ لِي فَاسْتَرَحْتُ قَلِيلًا. قَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلَ وَالرَّجُلُ وَحْدَهُ فِي خِبَائِهِ، فَرَمَى بِنَفْسِهِ وَنَامَ صَاحِبُ الْخِبَاءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَيْقَظَهُ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ تَكَلَّمْتَ لَأَقْتُلَنَّكَ. قَالَ: قُتِلْتُ أَوْ سَلِمْتُ فَمَاذَا يَنْفَعُكَ قَتْلِي؟ (قَالَ: لَئِنْ) سَكَتَّ وَجِئْتَ مَعِي إِلَى زُفَرَ، فَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ أَرُدَّكَ إِلَى عَسْكَرِكَ بَعْدَ أَنْ يَصِلَكَ زُفَرُ وَيُحْسِنَ إِلَيْهِ. فَخَرَجَا وَهُوَ يُنَادِي: مَنْ دَلَّ عَلَى بَغْلٍ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى أَتَى زُفَرَ وَالرَّجُلُ مَعَهُ، فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ آمَنَهُ، فَوَهَبَ لَهُ زُفَرُ دَنَانِيرَ، وَحَمَلَهُ عَلَى رِحَالَةِ النِّسَاءِ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَهُنَّ، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا حَتَّى دَنَوْا مِنْ عَسْكَرِ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَنَادَوْا: هَذِهِ جَارِيَةٌ قَدْ بَعَثَ بِهَا زُفَرُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ. وَانْصَرَفُوا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعَسْكَرِ عَرَفُوهُ، وَأَخْبَرُوا عَبْدَ الْمَلِكِ الْخَبَرَ، فَضَحِكَ وَقَالَ: لَا يُبْعِدُ اللَّهُ رَجُلًا نُصِرَ، وَاللَّهِ إِنَّ قَتْلَهُمْ لَذُلٌّ، وَإِنَّ تَرْكَهُمْ لَحَسْرَةٌ. وَكَفَّ الرَّجُلُ فَلَمْ يَعُدْ يَسُبُّ زُفَرَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ هَرَبَ مِنَ الْعَسْكَرِ.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَمَرَ أَخَاهُ مُحَمَّدًا أَنْ يَعْرِضَ عَلَى زُفَرَ وَابْنِهِ الْهُذَيْلِ الْأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَمَنْ مَعَهُمَا وَمَالِهِمْ، وَأَنْ يُعْطَيَا مَا أَحَبَّا. فَفَعَلَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ، فَأَجَابَ الْهُذَيْلُ وَكَلَّمَ أَبَاهُ وَقَالَ لَهُ: لَوْ صَالَحْتَ هَذَا الرَّجُلَ فَقَدْ أَطَاعَهُ النَّاسُ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَأَجَابَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي بَيْعَتِهِ سَنَةً، وَأَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ شَاءَ، وَلَا يُعِينَ عَبْدَ الْمَلِكِ عَلَى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَبَيْنَا الرُّسُلُ تَخْتَلِفُ بَيْنَهُمَا إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ، فَقَالَ: قَدْ هُدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَبْرَاجٍ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا أُصَالِحُهُمْ. وَزَحَفَ إِلَيْهِمْ، فَهَزَمُوا أَصْحَابَهُ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ عَسْكَرَهُمْ. فَقَالَ: أَعْطُوهُمْ مَا أَرَادُوا. فَقَالَ زُفَرُ: لَوْ كَانَ قَبْلَ هَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ. وَاسْتَقَرَّ الصُّلْحُ عَلَى أَمَانِ الْجَمِيعِ، وَوَضْعِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَأَنْ لَا يُبَايِعَ عَبْدَ الْمَلِكِ حَتَّى يَمُوتَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِلْبَيْعَةِ لَهُ فِي عُنُقِهِ، وَأَنْ يُعْطَى مَالًا يُقَسِّمُهُ فِي أَصْحَابِهِ.
وَخَافَ زُفَرُ أَنْ يَغْدِرَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ كَمَا غَدَرَ بِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، فَلَمْ يَنْزِلْ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِقَضِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانًا لَهُ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ ابْنُ عِضَاةَ الْأَشْعَرِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْهُ. فَقَالَ زُفَرُ: كَذَبْتَ هُنَاكَ، إِنِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute