فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، وَأَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ! إِنِّي سَمِعْتُ تَكْبِيرًا لَيْسَ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ التَّكْبِيرُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّرْهِيبُ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهَا عَجَاجَةٌ تَحْتَهَا قَصْفٌ، يَا بَنِي اللَّكِيعَةِ وَعَبِيدَ الْعَصَا، وَأَبْنَاءَ الْأَيَامَى، أَلَا يَرْبَعُ رَجُلٌ مِنْكُمْ عَلَى ظَلْعِهِ، وَيُحْسِنُ حَقْنَ دَمِهِ، وَيَعْرِفُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ! فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَأُوشِكُ أَنْ أُوقِعَ بِكُمْ وَقْعَةً تَكُونُ نَكَالًا لِمَا قَبْلَهَا، وَأَدَبًا لِمَا بَعْدَهَا.
فَقَامَ عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ الْحَنْظَلِيُّ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، أَنَا فِي هَذَا الْبَعْثِ، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلِيلٌ، وَابْنِي هَذَا أَشَبُّ مِنِّي. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: هَذَا خَيْرٌ لَنَا مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ. قَالَ: أَسَمِعْتَ كَلَامَنَا بِالْأَمْسِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَسْتَ الَّذِي غَزَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَفَلَا إِلَى عُثْمَانَ بُعِثْتَ بَدَلًا؟ وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ حَبَسَ أَبِي، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا. قَالَ: أَوَلَسْتَ الْقَائِلَ:
هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي ... تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهْ
إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ فِي قَتْلِكَ صَلَاحَ الْمِصْرَيْنِ. وَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ رَقَبَتُهُ، وَأُنْهِبَ مَالُهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ لِلْحَجَّاجِ: أَتَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَذَا أَحَدُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ! أَفَلَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بُعِثْتَ بَدِيلًا؟ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا إِنَّ عُمَيْرَ بْنَ ضَابِئٍ أَتَى بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، وَكَانَ سَمِعَ النِّدَاءَ فَأَمَرْنَا بِقَتْلِهِ، أَلَا إِنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ بَرِيئَةٌ مِمَّنْ لَمْ يَأْتِ اللَّيْلَةَ مِنْ جُنْدِ الْمُهَلَّبِ.
فَخَرَجَ النَّاسُ فَازْدَحَمُوا عَلَى الْجِسْرِ، وَخَرَجَ الْعُرَفَاءُ إِلَى الْمُهَلَّبِ، وَهُوَ بِرَامَهُرْمُزَ، فَأَخَذُوا كُتُبَهُ بِالْمُوَافَاةِ. فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: قَدِمَ الْعِرَاقَ الْيَوْمَ رَجُلٌ ذَكَرٌ، الْيَوْمَ قُوتِلَ الْعَدُوُّ.
فَلَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ عُمَيْرًا لَقِيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزَّبِيرِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْخَبَرِ، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute