لِنَمْنَعَكَ. وَحَبَسَ الْغَضْبَانَ بْنَ الْقَبَعْثَرَى وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الْقَائِلُ تَعَشَّ بِالْجَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَدَّى بِكَ؟ فَقَالَ: مَا نُفِعْتُ مِنْ قِيلَتِي لَهُ، وَلَا ضُرِرْتُ مِنْ قِيلَتِي فِيكَ. فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ بِإِطْلَاقِهِ.
وَقُتِلَ مَعَ ابْنِ الْجَارُودِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَلَا أَرَى أَنَسًا يُعِينُ عَلَيَّ! فَلَمَّا دَخَلَ الْبَصْرَةَ أَخَذَ مَالَهُ، فَحِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنَسٌ قَالَ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا بِكَ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ! شَيْخُ ضَلَالَةٍ، جَوَّالٌ فِي الْفِتَنِ، مَرَّةً مَعَ أَبِي تُرَابٍ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الْجَارُودِ! أَمَا وَاللَّهِ لَأُجَرِّدَنَّكَ جَرْدَ الْقَضِيبِ، وَلَأَعْصِبَنَّكَ عَصْبَ السَّلَمَةِ، وَلَأَقْلَعَنَّكَ قَلْعَ الصَّمْغَةِ! فَقَالَ أَنَسٌ: مَنْ يَعْنِي الْأَمِيرُ؟ قَالَ إِيَّاكَ أَعْنِي،، أَصَمَّ اللَّهُ صَدَاكَ! فَرَجَعَ أَنَسٌ فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ كِتَابًا يَشْكُو فِيهِ الْحَجَّاجَ وَمَا صَنَعَ بِهِ. فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَمَّا بَعْدُ، يَا ابْنَ أُمِّ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّكَ عَبْدٌ طَمَتْ بِكَ الْأُمُورُ، فَعَلَوْتَ فِيهَا حَتَّى عَدَوْتَ طَوْرَكَ، وَجَاوَزْتَ قَدْرَكَ، يَا ابْنَ الْمُسْتَفْرِمَةِ بِعَجَمِ الزَّبِيبِ، لَأَغْمِزَنَّكَ غَمْزَةً كَبَعْضِ غَمَزَاتِ اللُّيُوثِ الثَّعَالِبَ، وَلَأَخْبِطَنَّكَ خَبْطَةً تَوَدُّ لَهَا أَنَّكَ رَجَعْتَ فِي مَخْرَجِكَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ، أَمَا تَذْكُرُ حَالَ آبَائِكَ فِي الطَّائِفِ حَيْثُ كَانُوا يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَيَحْتَفِرُونَ الْآبَارَ بِأَيْدِيهِمْ فِي أَوْدِيَتِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ؟ أَنَسِيتَ حَالَ آبَائِكَ فِي اللُّؤْمِ وَالدَّنَاءَةِ فِي الْمُرُوَّةِ وَالْخُلُقِ؟ وَقَدْ بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي كَانَ مِنْكَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ جُرْأَةً وَإِقْدَامًا، وَأَظُنُّكَ أَرَدْتَ أَنْ تَسْبُرَ مَا عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْرِهِ، فَتَعْلَمَ إِنْكَارَهُ ذَلِكَ وَإِغْضَاءَهُ عَنْكَ، فَإِنْ سَوَّغَكَ مَا كَانَ مِنْكَ مَضَيْتَ عَلَيْهِ قُدُمًا، فَعَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِ أَخْفَشِ الْعَيْنَيْنِ، أَصَكِّ الرِّجْلَيْنِ، مَمْسُوحِ الْجَاعِرَتَيْنِ! وَلَوْلَا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَظُنُّ أَنَّ الْكَاتِبَ أَكْثَرَ فِي الْكِتَابَةِ عَنِ الشَّيْخِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيكَ لَأَرْسَلَ مَنْ يَسْحَبُكَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، حَتَّى يَأْتِيَ بِكَ أَنَسًا فَيَحْكُمُ فِيكَ، فَأَكْرِمْ أَنَسًا وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَاعْرِفْ لَهُ حَقَّهُ وَخِدْمَتَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُقَصِّرَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَلَا يَبْلُغَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْكَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ إِلَيْكَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute