بَنِي الْحَبَطِ! فَغَضِبَ وَصَارَ إِلَى الْحَجَّاجِ فِي مِائَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا أُبَالِي مَنْ تَخَلَّفَ بَعْدَكَ.
وَسَعَى قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي قَوْمِهِ فِي بَنِي أَعْصُرَ؟ وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا نَدَعُ قَيْسًا يُقْتَلُ وَلَا يُنْهَبُ مَالُهُ، يَعْنِي الْحَجَّاجَ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْحَجَّاجِ.
وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ، فَلَمَّا جَاءَهُ هَؤُلَاءِ اطْمَأَنَّ، ثُمَّ جَاءَهُ سَبْرَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكِلَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ زُرْعَةَ الْكِلَابِيُّ فَسَلَّمَ، فَأَدْنَاهُ مِنْهُ، وَأَتَاهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ الْأَزْدِيُّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مِسْمَعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ: إِنْ شِئْتَ أَتَيْتُكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَقَمْتُ وَثَبَّطْتُ النَّاسَ عَنْكَ. فَقَالَ: أَقِمْ وَثَبِّطِ النَّاسَ عَنِّي.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ إِلَى الْحَجَّاجِ جَمْعٌ يُمْنَعُ بِمِثْلِهِمْ، خَرَجَ فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ، وَتَلَاحَقَ النَّاسُ بِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا حَوْلَهُ نَحْوُ سِتَّةِ آلَافٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ الْجَارُودِ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانِ: مَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: تَرَكْتَ الرَّأْيَ أَمْسِ حِينَ قَالَ لَكَ الْغَضْبَانُ تَعَشَّ بِالْجَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَدَّى بِكَ، وَقَدْ ذَهَبَ الرَّأْيُ وَبَقِيَ الصَّبْرُ.
فَدَعَا ابْنُ الْجَارُودِ بِدِرْعٍ فَلَبِسَهَا مَقْلُوبَةً، فَتَطَيَّرَ. وَحَرَّضَ الْحَجَّاجُ أَصْحَابَهُ وَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنْ كَثْرَتِهِمْ. وَتَزَاحَفَ الْقَوْمُ وَعَلَى مَيْمَنَةِ ابْنِ الْجَارُودِ الْهُذَيْلُ بْنُ عِمْرَانَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ، وَعَلَى مَيْمَنَةِ الْحَجَّاجِ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَيُقَالُ عَبَّادُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ سَعِيدُ بْنُ أَسْلَمَ، فَحَمَلَ ابْنُ الْجَارُودِ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى جَازَ أَصْحَابَ الْحَجَّاجِ، فَعَطَفَ الْحَجَّاجُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَكَادَ ابْنُ الْجَارُودِ يَظْفَرُ، فَأَتَاهُ سَهْمُ غَرْبٍ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا. وَنَادَى مُنَادِي الْحَجَّاجِ بِأَمَانِ النَّاسِ إِلَّا الْهُذَيْلَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَكِيمٍ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يُتْبَعَ الْمُنْهَزِمُونَ، وَقَالَ: الِاتِّبَاعُ مِنْ سُوءِ الْغَلَبَةِ. فَانْهَزَمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ، وَأَتَى سَعِيدَ بْنَ عِيَاذِ بْنِ الْجُلُنْدِيِّ الْأَزْدِيَّ بِعُمَانَ، فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: إِنَّهُ رَجُلٌ فَاتِكٌ فَاحْذَرْهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْبِطِّيخُ بَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ بِطِّيخَةٍ مَسْمُومَةٍ وَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ شَيْءٍ جَاءَ مِنَ الْبِطِّيخِ، وَقَدْ أَكَلْتُ نِصْفَ بِطِّيخَةٍ وَبَعَثْتُ بِنِصْفِهَا، فَأَكَلَهَا عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَحَسَّ بِالشَّرِّ، فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ فَقَتَلَنِي.
وَحُمِلَ رَأْسُ ابْنِ الْجَارُودِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَأْسًا مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِهِ إِلَى الْمُهَلَّبِ، فَنُصِبَتْ لِيَرَاهَا الْخَوَارِجُ وَيَيْأَسُوا مِنَ الِاخْتِلَافِ.
وَحَبَسَ الْحَجَّاجُ عُبَيْدَ بْنَ كَعْبٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرٍ ; حَيْثُ قَالَا لِلْحَجَّاجِ: تَأْتِينَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute