السُّفَهَاءُ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ انْصَرَفُوا عَنِ الْحَجَّاجِ وَتَرَكُوهُ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَصَارُوا مَعَهُ خَائِفِينَ مِنْ مُحَارَبَةِ الْخَلِيفَةِ.
فَجَعَلَ الْغَضْبَانُ بْنُ الْقَبَعْثَرَى الشَّيْبَانِيُّ يَقُولُ لِابْنِ الْجَارُودِ: تَعَشَّ بِالْجَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَدَّى بِكَ، أَمَا تَرَى مَنْ قَدْ أَتَاهُ مِنْكُمْ؟ وَلَئِنْ أَصْبَحَ لَيَكْثُرَنَ نَاصِرُهُ، وَلَتَضْعُفَنَّ مُنَّتُكُمْ! فَقَالَ: قَدْ قَرُبَ الْمَسَاءُ، وَلَكِنَّا نُعَاجِلُهُ بِالْغَدَاةِ.
وَكَانَ مَعَ الْحَجَّاجِ عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ، وَزِيَادُ بْنُ عَمْرٍو الْعَتَكِيُّ، وَكَانَ زِيَادٌ عَلَى شُرْطَةِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: مَا تَرَيَانِ؟ أَنْ آخُذَ لَكَ مِنَ الْقَوْمِ أَمَانًا، وَتَخْرُجَ حَتَّى تَلْحَقَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدَ ارْفَضَّ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْكَ، وَلَا أَرَى لَكَ أَنْ تُقَاتِلَ بِمَنْ مَعَكَ. فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ الْحَارِثِيُّ: لَكِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ شَرِكَكَ فِي أَمْرِكَ، وَخَلَطَكَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَنْصَحَكَ وَسَلَّطَكَ، فَسِرْتَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ خَطَرًا، فَقَتَلْتَهُ، فَوَلَّاكَ اللَّهُ شَرَفَ ذَلِكَ وَسَنَاهُ، وَوَلَّاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْحِجَازَ، ثُمَّ رُفِعْتَ فَوَلَّاكَ الْعِرَاقَيْنِ، فَحَيْثُ جَرَيْتَ إِلَى الْمَدَى، وَأَصَبْتَ الْغَرَضَ الْأَقْصَى، تَخْرُجُ عَلَى قَعُودٍ إِلَى الشَّامِ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ لَا نِلْتَ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ مِثْلَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانٍ أَبَدًا، وَلَيَتَّضِعَنَّ شَأْنُكَ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ نَمْشِيَ بِسُيُوفِنَا مَعَكَ فَنُقَاتِلُ حَتَّى نَلْقَى ظَفَرًا، أَوْ نَمُوتَ كِرَامًا. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ. وَحَفِظَ هَذَا لِعُثْمَانَ، وَحَقَدَهَا عَلَى زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو.
وَجَاءَ عَامِلُ ابْنِ مِسْمَعٍ إِلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ لَكَ أَمَانًا مِنَ النَّاسِ، فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ لِيَسْمَعَ النَّاسُ وَيَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أُؤَمِّنُهُمْ أَبَدًا حَتَّى يَأْتُوا بِالْهُذَيْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ. وَأَرْسَلَ إِلَى عُبَيْدِ بْنِ كَعْبٍ النُّمَيْرِيِّ يَقُولُ: هَلُمَّ إِلَيَّ فَامْنَعْنِي. فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنْ أَتَيْتَنِي مَنَعْتُكَ. فَقَالَ: لَا وَلَا كَرَامَةَ! وَبَعَثَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ كَذَلِكَ، فَأَجَابَهُ مِثْلَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: لَا نَاقَتِي فِي هَذَا وَلَا جَمَلِي. وَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ الْمُجَاشِعِيِّ فَأَجَابَهُ كَذَلِكَ أَيْضًا.
وَمَرَّ عَبَّادُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْحَبَطِيُّ بِابْنِ الْجَارُودِ وَابْنِ الْهُذَيْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُمْ يَتَنَاجَوْنَ، فَقَالَ: أَشْرِكُونَا فِي نَجْوَاكُمْ. فَقَالُوا: هَيْهَاتَ أَنْ يَدْخُلَ فِي نَجْوَانَا أَحَدٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute