بِخَنْدَقِهِمْ، فَلَا أَرَى أَنْ نُقِيمَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ صَالِحٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. فَخَرَجُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ سَائِرِينَ، فَقَطَعُوا أَرْضَ الْجَزِيرَةِ وَأَرْضَ الْمَوْصِلِ، وَانْتَهَوْا إِلَى الدَّسْكَرَةِ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْحَجَّاجَ سَرَّحَ إِلَيْهِمُ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرَةَ بْنِ ذِي الشِّعَارِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَسَارَ حَتَّى دَنَا مِنَ الدَّسْكَرَةِ، وَخَرَجَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ حَتَّى أَتَى قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا مَدْبَجُ عَلَى تُخُومِ مَا بَيْنَ الْمَوْصِلِ وَجُوخَى، وَصَالِحٌ فِي تِسْعِينَ رَجُلًا، فَلَقِيَهُمُ الْحَارِثُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ فِي مَيْسَرَةِ صَالِحٍ، وَثَبَتَ صَالِحٌ، فَقُتِلَ، وَقَاتَلَ شَبِيبٌ حَتَّى صُرِعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ رَاجِلًا، فَانْكَشَفُوا عَنْهُ، فَجَاءَ إِلَى مَوْقِفٍ صَالِحٍ فَأَصَابَهُ قَتِيلًا، فَنَادَى: إِلَيَّ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَاذُوا بِهِ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لِيَجْعَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ظَهْرَهُ إِلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ، وَلِيُطَاعِنْ عَدُوَّهُ حَتَّى يَدْخُلَ هَذَا الْحُصَيْنَ وَنَرَى رَأْيَنَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَدَخَلُوا الْحُصَيْنَ جَمِيعُهُمْ، وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْحَارِثُ وَأَحْرَقَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ.
(مُسَرِّحٌ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. وَجَعْوَنَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ، وَآخِرُهُ نُونٌ) .
ذِكْرُ بَيْعَةِ شَبِيبٍ الْخَارِجِيِّ وَمُحَارَبَةِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ
فَلَمَّا أَحْرَقَ الْحَارِثُ الْبَابَ عَلَى شَبِيبٍ وَمَنْ مَعَهُ وَقَالَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، وَنُصَبِّحُهُمْ غَدًا فَنُقَتِّلُهُمْ، وَانْصَرَفَ إِلَى عَسْكَرِهِ - قَالَ شَبِيبٌ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَوَاللَّهِ لَئِنْ صَبَّحَكُمْ هَؤُلَاءِ غَدْوَةً إِنَّهُ لَهَلَاكُكُمْ. فَقَالُوا: مُرْنَا بِأَمْرِكَ. فَقَالَ: بَايِعُونِي أَوْ مَنْ شِئْتُمْ مِنْ أَصْحَابِكُمْ، وَاخْرُجُوا بِنَا حَتَّى نَشُدَّ عَلَيْهِمْ فِي عَسْكَرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ آمِنُونَ.
فَبَايَعُوا شَبِيبًا، وَهُوَ شَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَتَوْا بِاللُّبُودِ فَبَلُّوهَا، وَجَعَلُوهَا عَلَى جَمْرِ الْبَابِ وَخَرَجُوا، فَلَمْ يَشْعُرِ الْحَارِثُ إِلَّا وَشَبِيبٌ وَأَصْحَابُهُ يُضَارِبُونَهُمْ بِالسُّيُوفِ فِي جَوْفِ الْعَسْكَرِ، فَصُرِعَ الْحَارِثُ، فَاحْتَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَانْهَزَمُوا نَحْوَ الْمَدَائِنِ، وَحَوَى شَبِيبٌ عَسْكَرَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَوَّلَ جَيْشٍ هَزَمَهُ شَبِيبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute