أَخَاهُ مُصَادَ بْنَ يَزِيدَ، وَهُمْ قَدْ حَصَرُوا مَنْ فِي الدَّيْرِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] ، فَكُفُّوا عَنَّا حَتَّى نَخْرُجَ إِلَيْكُمْ عَلَى أَمَانٍ، وَتَعْرِضُوا عَلَيْنَا أَمْرَكُمْ، فَإِنْ قَبِلْنَاهُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ دِمَاؤُنَا وَأَمْوَالُنَا، وَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَقْبَلْهُ رَدَدْتُمُونَا إِلَى مَأْمَنِنَا، ثُمَّ رَأَيْتُمْ رَأْيَكُمْ. فَأَجَابُوهُمْ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ شَبِيبٍ قَوْلَهُمْ، فَقَبِلُوهُ كُلَّهُ، ثُمَّ خَالَطُوهُ وَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ، وَجَاءَ شَبِيبٌ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَصَبْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ.
ذِكْرُ الْوَقْعَةِ بَيْنَ شَبِيبٍ وَسُفْيَانَ الْخَثْعَمِيِّ
ثُمَّ إِنَّ شَبِيبًا ارْتَحَلَ، فَخَرَجَ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَأَقَامَتْ طَائِفَةٌ، وَسَارَ شَبِيبٌ فِي أَرْضِ الْمَوْصِلِ نَحْوَ أَذْرَبِيجَانَ، وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ الْخَثْعَمِيِّ يَأْمُرُهُ بِالْقُفُولِ، وَكَانَ مَعَهُ أَلْفُ فَارِسٍ، يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا طَبَرِسْتَانَ. فَلَمَّا أَتَاهُ كِتَابُ الْحَجَّاجِ صَالَحَ صَاحِبَ طَبَرِسْتَانَ وَرَجَعَ، فَأَمَرَهُ الْحَجَّاجُ بِنُزُولِ الدَّسْكَرَةِ حَتَّى يَأْتِيَهُ جَيْشُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ صَالِحًا، وَحَتَّى تَأْتِيَهُ خَيْلُ الْمَنَاظِرِ، ثُمَّ يَسِيرُ إِلَى شَبِيبٍ. فَأَقَامَ بِالدَّسْكَرَةِ، وَنُودِيَ فِي جَيْشِ الْحَارِثِ: الْحَرْبُ بِالْكُوفَةِ وَالْمَدَائِنِ، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْا سُفْيَانَ، وَأَتَتْهُ خَيْلُ الْمَنَاظِرِ عَلَيْهِمْ سَوْرَةُ بْنُ الْحُرِّ التَّمِيمِيُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَوْرَةُ بِالتَّوَقُّفِ حَتَّى يَلْحَقَهُ، فَعَجَّلَ سُفْيَانُ فِي طَلَبِ شَبِيبٍ، فَلَحِقَهُ بِخَانِقِينَ، وَارْتَفَعَ شَبِيبٌ عَنْهُمْ حَتَّى كَأَنَّهُ يَكْرَهُ قِتَالَهُمْ، وَأَكْمَنَ أَخَاهُ مُصَادًا فِي هَزْمٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا فَارِسًا، وَمَضَى فِي سَفْحِ الْجَبَلِ، فَقَالُوا: هَرَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، فَاتَّبَعُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ عَدِيُّ بْنُ عُمَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ: لَا تُعَجِّلُوا حَتَّى نُبْصِرَ الْأَرْضَ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ كَمَّنَ فِيهَا كَمِينًا.
فَلَمْ يَلْتَفِتُوا، فَاتَّبَعُوهُ، فَلَمَّا جَازُوا الْكَمِينَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ شَبِيبٌ، وَخَرَجَ أَخُوهُ فِي الْكَمِينِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَثَبَتَ سُفْيَانُ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَمَلَ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ عَلَى سُفْيَانَ فَطَاعَنَهُ، ثُمَّ تَضَارَبَا بِالسُّيُوفِ، وَاعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَوَقَعَا إِلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ تَحَاجَزُوا، وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ شَبِيبٌ فَانْكَشَفُوا، وَأَتَى سُفْيَانَ غُلَامٌ لَهُ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَرْكَبَهُ وَقَاتَلَ دُونَهُ، فَقُتِلَ الْغُلَامُ وَنَجَا سُفْيَانُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِلَ مَهْرُوذَ، وَكَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالْخَبَرِ، وَيُعَرِّفُهُ وُصُولَ الْجُنْدِ إِلَّا سَوْرَةَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute