الْحُرِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ مَعِيَ الْقِتَالَ، فَلَمَّا قَرَأَ الْحَجَّاجُ الْكِتَابَ أَثْنَى عَلَيْهِ.
ذِكْرُ الْوَقْعَةَ بَيْنَ شَبِيبٍ وَسَوْرَةَ بْنِ الْحُرِّ
فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُ سُفْيَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ كَتَبَ إِلَى سَوْرَةَ بْنِ الْحُرِّ يَلُومُهُ وَيَتَهَدَّدُهُ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَنْتَخِبَ مِنَ الْمَدَائِنِ خَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ، وَيَسِيرَ بِهِمْ وَبِمَنْ مَعَهُ إِلَى شَبِيبٍ. فَفَعَلَ ذَلِكَ سَوْرَةُ وَسَارَ نَحْوَ شَبِيبٍ، وَشَبِيبٌ يَجُولُ فِي جُوخَى، وَسَوْرَةُ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَدَائِنِ، فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ، وَأَخَذَ مِنْهَا دَوَابَّ وَقَتَلَ مَنْ ظَهَرَ لَهُ، فَأَتَى فَقِيلَ لَهُ: هَذَا سَوْرَةُ قَدْ أَقْبَلَ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى النَّهْرَوَانَ، فَصَلُّوا وَتَرَحَّمُوا عَلَى أَصْحَابِهِمُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ، وَتَبَرَّءُوا مِنْ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ. وَأَخْبَرَتْ سَوْرَةَ عُيُونُهُ بِمَنْزِلِ شَبِيبٍ، فَدَعَا أَصْحَابَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَبِيبًا لَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ رَجُلٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَنْتَخِبَكُمْ فَأَسِيرُ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ شُجْعَانِكُمْ، فَآتِيهِ وَهُوَ آمِنٌ بَيَاتَكُمْ، فَإِنِّي أَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَصْرَعَهُمْ. فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، فَانْتَخَبَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ النَّهْرَوَانِ، وَبَاتَ شَبِيبٌ وَقَدْ أَذْكَى الْحَرَسَ، فَلَمَّا دَنَا أَصْحَابُ سَوْرَةَ عَلِمُوا بِهِمْ، فَاسْتَوَوْا عَلَى خُيُولِهِمْ، وَتَعَبَّوْا تَعْبِيَتَهُمْ لِلْحَرْبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ سَوْرَةُ رَآهُمْ قَدْ حَذِرُوا، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَثَبَتُوا لَهُ وَضَارَبُوهُمْ، وَصَاحَ شَبِيبٌ بِأَصْحَابِهِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى تَرَكُوا الْعَرْصَةَ، وَشَبِيبٌ يَقُولُ: مَنْ يَنِكِ الْعَيْرَ يَنِكْ نَيَّاكَا جَنْدَلَتَانِ اصْطَكَّتَا اصْطِكَاكَا
فَرَجَعَ سَوْرَةُ إِلَى عَسْكَرِهِ وَقَدْ هُزِمَ الْفُرْسَانُ وَأَهْلُ الْقُوَّةِ، فَتَحَمَّلَ بِهِمْ وَأَقْبَلَ نَحْوَ الْمَدَائِنِ، وَاتَّبَعَهُ شَبِيبٌ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُ فَيُصِيبَ عَسْكَرَهُ. فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ الْمَدَائِنَ، وَخَرَجَ ابْنُ أَبِي الْعُصَيْفِرِ أَمِيرُ الْمَدَائِنِ فِي أَهْلِ الْمَدَائِنِ، فَرَمَوْا أَصْحَابَ شَبِيبٍ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، فَارْتَفَعَ شَبِيبٌ عَنِ الْمَدَائِنِ، فَمَرَّ عَلَى كَلْوَاذَى، فَأَصَابَ بِهَا دَوَابَّ كَثِيرَةً لِلْحَجَّاجِ، فَأَخَذَهَا وَمَضَى إِلَى تَكْرِيتَ، وَأُرْجِفَ النَّاسُ بِالْمَدَائِنِ بِوُصُولِ شَبِيبٍ إِلَيْهِمْ، فَهَرَبَ مَنْ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ نَحْوَ الْكُوفَةِ، وَكَانَ شَبِيبٌ بِتَكْرِيتَ، وَلَامَ الْحَجَّاجُ سَوْرَةَ وَحَبَسَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute