طَلْحَةَ لَمْ يَبْرَحْ. فَقَالَ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ حُمْقَهُ وَخُيَلَاءَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى هَذَا. ثُمَّ نَزَلَ شَبِيبٌ فَأَذَّنَ هُوَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ، ثُمَّ رَكِبُوا فَحَمَلُوا عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَانْهَزَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَثَبَتَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَخَذَتِ الْخَوَارِجُ مَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ، وَانْهَزَمَ الَّذِينَ كَانُوا بَايَعُوا شَبِيبًا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
ثُمَّ أَتَى شَبِيبٌ الْجَوْسَقَ الَّذِي فِيهِ أَعْيَنَ وَأَبُو الضُّرَيْسِ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَسَارَ عَنْهُمْ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: مَا دُونَ الْكُوفَةِ أَحَدٌ يَمْنَعُ. فَنَظَرَ وَإِذَا أَصْحَابُهُ قَدْ جُرِحُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا عَلَيْكُمْ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلْتُمْ. فَخَرَجَ بِهِمْ عَلَى نِفَّرَ، ثُمَّ عَلَى الصَّرَاةِ، فَأَتَى خَانِيجَارَ فَأَقَامَ بِهَا. فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَسِيرُهُ نَحْوَ نِفَّرَ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمَدَائِنَ، وَهِيَ بَابُ الْكُوفَةِ، وَمَنْ أَخَذَهَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنَ السَّوَادِ أَكْثَرُهُ، فَهَالَ ذَلِكَ الْحَجَّاجَ، فَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ قَطَنٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَدَائِنِ وَجُوخَى وَالْأَنْبَارِ، وَعَزَلَ عَنْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُصَيْفِرٍ، وَكَانَ بِهَا الْجَزْلُ يُدَاوِي جِرَاحَتَهُ، فَلَمْ يَتَعَهَّدْهُ عُثْمَانُ كَمَا كَانَ ابْنُ أَبِي عُصَيْفِرٍ يَفْعَلُ، فَقَالَ الْجَزْلُ: اللَّهُمَّ زِدِ ابْنَ أَبِي عُصَيْفِرٍ جُودًا وَفَضْلًا، وَزِدْ عُثْمَانَ بْنَ قَطَنٍ بُخْلًا وَضِيقًا.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَقْتَلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى غَيْرُ هَذَا، وَالَّذِي ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى كَانَ قَدْ شَهِدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ قِتَالَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَكَانَ شُجَاعًا ذَا بَأْسٍ، فَزَوَّجَهُ عُمَرُ ابْنَتَهُ، وَكَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَوَلَّاهُ سِجِسْتَانَ، فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ وَفِيهَا الْحَجَّاجُ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ صَارَ هَذَا بِسِجِسْتَانَ مَعَ صِهْرِهِ، لِعَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَجَأَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِمَّنْ تَطْلُبُ - مَنَعَكَ مِنْهُ فَقَالَ: وَمَا الْحِيلَةُ؟ قَالَ: تَأْتِيهِ وَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَتَذْكُرُ نَجْدَتَهُ وَبَأْسَهُ، وَأَنَّ شَبِيبًا فِي طَرِيقِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَعْيَاكَ، وَتَرْجُو أَنْ يُرِيحَ اللَّهُ مِنْهُ عَلَى يَدِهِ، فَيَكُونُ لَهُ ذِكْرُهُ وَفَخْرُهُ.
فَفَعَلَ الْحَجَّاجُ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ مُحَمَّدٌ وَعَدَلَ إِلَى شَبِيبٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ: إِنَّكَ مَخْدُوعٌ، وَإِنَّ الْحَجَّاجَ قَدِ اتَّقَى بِكَ وَأَنْتَ جَارٌ لَكَ حَقٌّ، فَانْطَلِقْ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ، وَلَكَ اللَّهُ لَا أُوذِيكَ. فَأَبَى إِلَّا مُحَارَبَتَهُ، فَوَاقَفَهُ شَبِيبٌ وَأَعَادَ إِلَيْهِ الرَّسُولَ، فَأَبَى وَطَلَبَ الْبِرَازَ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الْبَطِينُ بْنُ قَعْنَبٍ، وَسُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ، فَأَبَى إِلَّا شَبِيبًا، فَقَالُوا ذَلِكَ لِشَبِيبٍ، فَبَرَزَ شَبِيبٌ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي دَمِكَ، فَإِنَّ لَكَ جِوَارًا. فَأَبَى، فَحَمَلَ شَبِيبٌ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute