شَبِيبٌ عَلَى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَغَرَّ فِي ثَلَاثِ كَتَائِبَ، كَتِيبَةٍ فِيهَا سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ، فَوَقَفَ بِإِزَاءِ الْمَيْمَنَةِ، وَكَتِيبَةٍ فِيهَا مُصَادٌ، أَخُو شَبِيبٍ، فَوَقَفَ بِإِزَاءِ الْمَيْسَرَةِ، وَوَقَفَ شَبِيبٌ مُقَابِلَ الْقَلْبِ.
فَخَرَجَ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ لِعَدُوِّهِمْ وَالْقِتَالِ، وَيُطْمِعُهُمْ فِي عَدُوِّهِمْ لِقِلَّتِهِ وَبَاطِلِهِ، وَكَثْرَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَوْقِفِهِ، فَحَمَلَ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ عَلَى زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو، فَانْكَشَفُوا، وَثَبَتَ زِيَادٌ فِي نَحْوٍ مِنْ نِصْفِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ارْتَفَعَ عَنْهُمْ سُوَيْدٌ قَلِيلًا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً، فَتَطَاعَنُوا سَاعَةً، وَصَبَرَ زِيَادٌ سَاعَةً، وَقَاتَلَ زِيَادٌ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَاتَلَ سُوَيْدٌ أَيْضًا قِتَالًا شَدِيدًا، وَإِنَّهُ لَأَشْجَعُ الْعَرَبِ، ثُمَّ ارْتَفَعَ سُوَيْدٌ عَنْهُمْ، وَإِذَا أَصْحَابُ زِيَادٍ يَتَفَرَّقُونَ، فَقَالَ لِسُوَيْدٍ أَصْحَابُهُ: أَلَا تَرَاهُمْ يَتَفَرَّقُونَ؟ احْمِلْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ لَهُمْ شَبِيبٌ: خَلُّوهُمْ حَتَّى يَخِفُّوا. فَتَرَكَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ حَمَلَ الثَّالِثَةَ فَانْهَزَمُوا، وَأَخَذَتْ زِيَادَ بْنَ عَمْرٍو السُّيُوفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَا ضَرَّهُ مِنْهَا شَيْءٌ لِلُّبْسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ انْهَزَمَ وَقَدْ جُرِحَ جِرَاحَةً يَسِيرَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ.
ثُمَّ حَمَلُوا عَلَى عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فَهَزَمُوهُ، وَلَمْ يُقَاتِلْ كَثِيرًا، وَلَحِقَ بِزِيَادِ بْنِ عَمْرٍو، فَمَضَيَا مُنْهَزِمَيْنِ، وَحَمَلَتِ الْخَوَارِجُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا وَصَبَرَ لَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ مُصَادًا أَخَا شَبِيبٍ حَمَلَ عَلَى بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ وَهُوَ فِي مَيْسَرَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَصَبَرَ بِشْرٌ وَنَزَلَ، وَنَزَلَ مَعَهُ نَحْوُ خَمْسِينَ رَجُلًا، فَقَاتَلُوا حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ.
وَحَمَلَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى أَبِي الضُّرَيْسِ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ يَلِي بِشْرَ بْنَ غَالِبٍ، فَهَزَمُوهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْقِفِ أَعْيَنَ فَهَزَمُوهُمَا، حَتَّى انْتَهَوْا بِهِمَا إِلَى زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ نَادَى: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ! الْأَرْضَ الْأَرْضَ، لَا يَكُونُوا عَلَى كُفْرِهِمْ أَصْبَرُ مِنْكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمْ. فَقَاتَلَهُمْ عَامَّةَ اللَّيْلِ حَتَّى كَانَ السَّحَرُ.
ثُمَّ إِنَّ شَبِيبًا حَمَلَ عَلَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ أَصْحَابَهُ، وَتَرَكَهُمْ رِبْضَةً حَوْلَهُ.
وَلَمَّا قُتِلَ زَائِدَةُ دَخَلَ أَبُو الضُّرَيْسِ وَأَعْيَنَ جَوْسَقًا عَظِيمًا، وَقَالَ شَبِيبٌ لِأَصْحَابِهِ: ارْفَعُوا السَّيْفَ [عَنِ النَّاسِ] وَادْعُوهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ. فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ عِنْدَ الْفَجْرِ فَبَايَعُوهُ. وَكَانَ فِيمَنْ بَايَعَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ شَبِيبٌ لِأَصْحَابِهِ: هَذَا ابْنُ أَحَدِ الْحَكَمَيْنِ. فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: مَا ذَنْبُ هَذَا؟ وَتَرَكَهُ، وَسَلَّمُوا عَلَى شَبِيبٍ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَبَقُوا كَذَلِكَ حَتَّى انْفَجَرَ الْفَجْرُ، فَلَمَّا ظَهَرَ الْفَجْرُ أَمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى مُؤَذِّنَهُ فَأَذَّنَ، وَكَانَ لَمْ يَنْهَزِمْ، فَسَمِعَ شَبِيبٌ الْأَذَانَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute