فَأَرْسَلَ شَبِيبٌ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ عِيدٌ لَنَا وَلَكُمْ، يَعْنِي عِيدَ النَّحْرِ، فَهَلْ لَكَ فِي الْمُوَادَعَةِ حَتَّى تَمْضِيَ هَذِهِ الْأَيَّامُ؟ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يُحِبُّ الْمُطَاوَلَةَ، وَكَتَبَ عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَدْ حَفَرَ جُوخَى كُلَّهَا خَنْدَقًا وَاحِدًا، وَكَسَرَ خَرَاجَهَا، وَخَلَّى شَبِيبًا يَأْكُلُ أَهْلَهَا، وَالسَّلَامُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْجَيْشِ، وَجَعَلَهُ أَمِيرَهُمْ، وَعَزَلَ عَنْهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْمَدَائِنِ مُطَرِّفَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَسَارَ عُثْمَانُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَسْكَرِ الْكُوفَةِ، فَوَصَلَ عَشِيَّةَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَنَادَى النَّاسَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ: أَيُّهَا النَّاسُ، اخْرُجُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ. فَوَثَبَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَقَالُوا: هَذَا الْمَسَاءُ قَدْ غَشِيَنَا، وَالنَّاسُ لَمْ يُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ، فَبِتِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اخْرُجْ عَلَى تَعْبِيَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: لَأُنَاجِزَنَّهُمْ، فَلَتَكُونَنَّ الْفُرْصَةُ لِي أَوْ لَهُمْ. فَأَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنْزَلَهُ.
وَكَانَ شَبِيبٌ قَدْ نَزَلَ بِبَيْعَةِ الْبَتِّ، فَأَتَاهُ أَهْلُهَا فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ تَرْحَمُ الضُّعَفَاءَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، وَيُكَلِّمُكَ مَنْ تَلِي عَلَيْهِ وَيَشْكُونَ إِلَيْكَ فَتَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ جَبَابِرَةٌ لَا يُكَلِّمُونَ وَلَا يَقْبَلُونَ الْعُذْرَ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَهُمْ أَنَّكَ مُقِيمٌ فِي بَيْعَتِنَا لَيَقْتُلُنَّنَا إِذَا ارْتَحَلْتَ عَنَّا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَنْزِلَ جَانِبَ الْقَرْيَةِ وَلَا تَجْعَلْ عَلَيْنَا مَقَالًا فَافْعَلْ. فَخَرَجَ عَنِ الْبَيْعَةِ فَنَزَلَ جَانِبَ الْقَرْيَةِ.
وَبَاتَ عُثْمَانُ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ خَرَجَ بِالنَّاسِ كُلِّهِمْ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَغَبَرَةٌ شَدِيدَةٌ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا لَهُ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَخْرُجَ بِنَا وَالرِّيحُ عَلَيْنَا. فَأَقَامَ بِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَدْ عَبَّأَ النَّاسَ، فَجَعَلَ فِي الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ نَهِيكِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عَقِيلَ بْنَ شَدَّادٍ السَّلُولِيَّ، وَنَزَلَ هُوَ فِي الرَّجَّالَةِ، وَعَبَرَ شَبِيبٌ النَّهْرَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ يَوْمَئِذٌ فِي مِائَةٍ وَأَحَدٍ وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَوَقَفَ هُوَ فِي الْمَيْمَنَةِ، وَجَعَلَ أَخَاهُ مُصَادًا فِي الْقَلْبِ، وَجَعَلَ سُوَيْدَ بْنَ سُلَيْمٍ فِي الْمَيْسَرَةِ، وَزَحَفَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
وَقَالَ شَبِيبٌ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي حَامِلٌ عَلَى مَيْسَرَتِهِمْ مِمَّا يَلِي النَّهْرَ، فَإِذَا هَزَمْتُهَا فَلْيَحْمِلْ صَاحِبُ مَيْسَرَتِي عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ، وَلَا يَبْرَحْ صَاحِبُ الْقَلْبِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَمْرِي.
وَحَمَلَ عَلَى مَيْسَرَةِ عُثْمَانَ فَانْهَزَمُوا، وَنَزَلَ عَقِيلُ بْنُ شَدَّادٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَقُتِلَ أَيْضًا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ عَمُّ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنْتُوفِ، وَدَخَلَ شَبِيبٌ عَسْكَرَهُمْ، وَحَمَلَ سُوَيْدٌ عَلَى مَيْمَنَةِ عُثْمَانَ، فَهَزَمَهَا وَعَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ نَهِيكٍ، فَقَاتَلَهُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَمَلَ شَبِيبٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَتَلَهُ.
وَتَقَدَّمَ عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ وَقَدْ نَزَلَ مَعَهُ الْعُرَفَاءُ وَأَشْرَافُ النَّاسِ وَالْفُرْسَانُ نَحْوَ الْقَلْبِ، وَفِيهِ مُصَادٌ أَخُو شَبِيبٍ فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّينَ رَجُلًا، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ عُثْمَانُ شَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute