مَعَهُ، فَضَارَبُوهُمْ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَهُمْ، وَحَمَلَ شَبِيبٌ بِالْخَيْلِ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَمَا شَعَرَ عُثْمَانُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا وَالرِّمَاحُ فِي أَكْتَافِهِمْ تُكِبُّهُمْ لِوُجُوهِهِمْ، وَعَطَفَ عَلَيْهِمْ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ أَيْضًا فِي خَيْلِهِ، وَرَجَعَ مُصَادٌ وَأَصْحَابُهُ فَاضْطَرَبُوا سَاعَةً، وَقَاتَلَ عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ أَحْسَنَ قِتَالٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهِ، وَضَرَبَهُ مُصَادٌ أَخُو شَبِيبٍ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ اسْتَدَارَ لَهَا وَقَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: ٣٧] ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ قَتَلُوهُ، وَوَقَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ عَلَى بَغْلِهِ، فَعَرَفَهُ فَأَرْكَبَهُ مَعَهُ، وَنَادَى فِي النَّاسِ: الْحَقُوا بِدَيْرِ أَبِي مَرْيَمَ، ثُمَّ انْطَلَقَا ذَاهِبَيْنِ.
وَرَأَى وَاصِلٌ السَّكُونِيُّ فَرَسَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّتِي أَعْطَاهُ الْجَزْلُ تَجُولُ فِي الْعَسْكَرِ، فَأَخَذَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ شَبِيبٍ، فَظَنَّ أَنَّهُ قُتِلَ، فَطَلَبَهُ فِي الْقَتْلَى فَلَمْ يَجِدْهُ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ خَبَرَهُ، فَاتَّبَعَهُ وَاصِلٌ عَلَى بِرْذَوْنِهِ وَمَعَهُ غُلَامُهُ عَلَى بَغْلٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمَا نَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ لِيُقَاتِلَا، فَلَمَّا رَآهُمَا وَاصِلٌ عَرَفَهُمَا وَقَالَ: إِنَّكُمَا تَرَكْتُمَا النُّزُولَ فِي مَوْضِعِهِ، فَلَا تَنْزِلَا الْآنَ! وَحَسَرَ عِمَامَتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَعَرَفَاهُ، وَقَالَ لِابْنِ الْأَشْعَثِ: قَدْ أَتَيْتُكَ بِهَذَا الْبِرْذَوْنِ لِتَرْكَبَهُ. فَرَكِبَهُ وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ دَيْرَ الْبَقَّارِ.
وَأَمَرَ شَبِيبٌ أَصْحَابَهُ فَرَفَعُوا السَّيْفَ عَنِ النَّاسِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ.
وَقُتِلَ مِنْ كِنْدَةَ يَوْمَئِذٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقُتِلَ مُعْظَمُ الْعُرَفَاءِ.
وَبَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِدَيْرِ الْبَقَّارِ، فَأَتَاهُ فَارِسَانِ فَصَعِدَا إِلَيْهِ، فَخَلَا أَحَدُهُمَا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ طَوِيلًا، ثُمَّ نَزَلَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ شَبِيبًا، وَقَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُكَاتَبَةٌ، وَسَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى أَتَى دَيْرَ أَبِي مَرْيَمَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: إِنْ سَمِعَ شَبِيبٌ بِمَكَانِكَ أَتَاكَ فَكُنْتَ لَهُ غَنِيمَةً. فَخَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ وَاخْتَفَى مِنَ الْحَجَّاجِ حَتَّى أُخِذَ لَهُ الْأَمَانُ مِنْهُ.
ذِكْرُ ضَرْبِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْإِسْلَامِيَّةِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ضَرَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ضَرْبَهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَانْتَفَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute