وَكَانَ سَبَبُ ضَرْبِهَا أَنَّهُ كَتَبَ فِي صُدُورِ الْكُتُبِ إِلَى الرُّومِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، وَذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ التَّارِيخِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ: إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ كَذَا وَكَذَا، فَاتْرُكُوهُ وَإِلَّا أَتَاكُمْ فِي دَنَانِيرِنَا مِنْ ذِكْرِ نَبِيِّكُمْ مَا تَكْرَهُونَ. فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَأَحْضَرَ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَاسْتَشَارَهُ فِيهِ، فَقَالَ: حَرِّمْ دَنَانِيرَهُمْ، وَاضْرِبْ لِلنَّاسِ سَكَّةً فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى -. فَضَرَبَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَجَّاجَ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ وَنَقَشَ فِيهَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ لِمَكَانِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ يَمَسُّهَا، وَنَهَى أَنْ يَضْرِبَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَضَرَبَ سُمَيْرٌ الْيَهُودِيُّ، فَأَخَذَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ: عِيَارُ دِرْهَمِي أَجْوَدُ مِنْ دَرَاهِمِكَ، فَلِمَ تَقْتُلُنِي؟ فَلَمْ يَتْرُكْهُ، فَوَضَعَ لِلنَّاسِ سِنَجَ الْأَوْزَانِ لِيَتْرُكَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ النَّاسُ لَا يَعْرِفُونَ الْوَزْنَ، إِنَّمَا يَزِنُونَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَلَمَّا وَضَعَ لَهُمْ سُمَيْرٌ السِّنَجَ كَفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ غَبْنِ بَعْضٍ.
وَأَوَّلُ مَنْ شَدَّدَ فِي أَمْرِ الْوَزْنِ وَخَلَّصَ الْفِضَّةَ أَبْلَغَ مِنْ تَخْلِيصِ مَنْ قَبْلَهُ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَجَوَّدَ الدَّرَاهِمَ، وَخَلَّصَ الْعِيَارَ وَاشْتَدَّ فِيهِ. ثُمَّ كَانَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ أَيَّامَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَاشْتَدَّ أَكْثَرَ مِنَ ابْنِ هُبَيْرَةَ. ثُمَّ وَلِيَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، فَأَفْرَطَ فِي الشِّدَّةِ، فَامْتَحَنَ يَوْمًا الْعِيَارَ، فَوَجَدَ دِرْهَمًا يَنْقُصُ حَبَّةً، فَضَرَبَ كُلَّ صَانِعٍ أَلْفَ سَوْطٍ. وَكَانُوا مِائَةَ صَانِعٍ، فَضَرَبَ فِي حَبَّةٍ مِائَةَ أَلْفِ سَوْطٍ. وَكَانَتِ الْهُبَيْرِيَّةُ وَالْخَالِدِيَّةُ وَالْيُوسُفِيَّةُ أَجْوَدَ نُقُودِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَنْصُورُ يَقْبَلُ فِي الْخَرَاجِ غَيْرَهَا، فَسُمِّيَتِ الدَّرَاهِمُ الْأُولَى مَكْرُوهَةً.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَكْرُوهَةَ الدَّرَاهِمُ الَّتِي ضَرَبَهَا الْحَجَّاجُ وَنَقَشَ عَلَيْهَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، فَكَرِهَهَا الْعُلَمَاءُ لِأَجْلِ مَسِّ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ.
وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْأَعْجَامِ مُخْتَلِفَةً كِبَارًا وَصِغَارًا، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ مِثْقَالًا، وَهُوَ وَزْنُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، وَمِنْهَا وَزْنُ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَمِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةِ قَرَارِيطَ، وَهِيَ أَصْنَافُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute