نَحْوُ مِائَةٍ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى الْمَسَاءِ، وَأَوْقَعُوا بِأَهْلِ الشَّامِ مِنَ الضَّرْبِ وَالطَّعْنِ مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ.
فَلَمَّا رَأَى سُفْيَانُ عَجْزَهُ عَنْهُمْ، وَخَافَ أَنْ يُنْصَرُوا عَلَيْهِ - أَمَرَ الرُّمَاةَ أَنْ يَرْمُوهُمْ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَكَانُوا نَاحِيَةً، فَتَقَدَّمُوا وَرَمَوْا شَبِيبًا سَاعَةً، فَحَمَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الرُّمَاةِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى اخْتَلَطَ الظَّلَامُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ سُفْيَانُ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَتْبَعُوهُمْ.
فَلَمَّا انْتَهَى شَبِيبٌ إِلَى الْجِسْرِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: اعْبُرُوا، وَإِذَا أَصْبَحْنَا بَاكَرْنَاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَعَبَرُوا أَمَامَهُ وَتَخَلَّفَ فِي آخِرِهِمْ، وَجَاءَ لِيَعْبُرَ وَهُوَ عَلَى حِصَانٍ، وَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَسٌ أُنْثَى، فَنَزَا فَرَسُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَلَى الْجِسْرِ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَجَرُ تَحْتَهُ، وَنَزَلَ حَافِرُ فَرَسِ شَبِيبٍ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ، فَلَمَّا سَقَطَ قَالَ: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٢] ، وَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ ارْتَفَعَ وَقَالَ: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: ٩٦] ، وَغَرِقَ.
وَقِيلَ فِي قَتْلِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ تِلْكَ الْبَصِيرَةُ النَّافِذَةُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ رِجَالًا، فَكَانَ قَدْ أَوْجَعَ قُلُوبَهُمْ، وَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ اسْمُهُ مُقَاتِلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ شَيْبَانَ، فَلَمَّا قَتَلَ شَبِيبٌ مِنْ بَنِي تَيْمٍ أَغَارَ هُوَ عَلَى بَنِي مُرَّةَ بْنِ هَمَّامٍ رَهْطِ شَبِيبٍ فَقَتَلَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ شَبِيبٌ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِي؟ فَقَالَ لَهُ: قَتَلْتَ كُفَّارَ قَوْمِي، فَقَتَلْتُ كُفَّارَ قَوْمِكَ، وَمِنْ دِينِنَا قَتْلُ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ رَأْيِنَا، وَمَا أَصَبْتَ مِنْ رَهْطِي أَكْثَرُ مِمَّا أَصَبْتُ مِنْ رَهْطِكَ، وَمَا يَحِلُّ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَجِدَ عَلَى قَتْلِ الْكَافِرِينَ. قَالَ: لَا أَجِدُ.
وَكَانَ مَعَهُ أَيْضًا رِجَالٌ كَثِيرٌ قَدْ قَتَلَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ، فَلَمَّا تَخَلَّفَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلْ لَكُمْ أَنْ نَقْطَعَ بِهِ الْجِسْرَ فَنُدْرِكَ ثَأْرَنَا؟ فَقَطَعُوا الْجِسْرَ، فَمَالَتْ بِهِ السُّفُنُ، فَنَفَرَ بِهِ الْفَرَسُ، فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ.
وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونَ الِانْصِرَافَ، فَأَتَاهُمْ صَاحِبُ الْجِسْرِ فَقَالَ لِسُفْيَانَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، فَنَادُوا بَيْنَهُمْ: غَرِقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ! ثُمَّ إِنَّهُمُ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَتَرَكُوا عَسْكَرَهُمْ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَكَبَّرَ سُفْيَانُ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، وَأَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْجِسْرِ، وَبَعَثَ إِلَى الْعَسْكَرِ وَإِذَا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِذَا هُوَ أَكْثَرُ الْعَسَاكِرِ خَيْرًا، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute