لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فَقَالَ: فِي) سَبِيلِ اللَّهِ شَبَابِي. فَرَدَّدَ عَلَيْهِ شَبِيبٌ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فَلَمْ يَفْقَهْ مَا يُرِيدُ، فَقَتَلَهُ.
وَقُتِلَ مُصَادٌ أَخُو شَبِيبٍ، وَجَعَلَ شَبِيبٌ يَنْتَظِرُ الثَّمَانِيَةَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا خَالِدًا، فَأَبْطَئُوا وَلَمْ يَقْدَمْ أَصْحَابُ الْحَجَّاجِ عَلَى شَبِيبٍ هَيْبَةً لَهُ، وَأَتَى إِلَى شَبِيبٍ أَصْحَابُهُ الثَّمَانِيَةُ، فَسَارُوا وَاتَّبَعَهُمْ خَالِدٌ وَقَدْ دَخَلُوا إِلَى دَيْرٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدَائِنِ، فَحَصَرَهُمْ فِيهِ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِ فَهَزَمُوهُ نَحْوَ فَرْسَخَيْنِ، فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي دِجْلَةَ مُنْهَزِمِينَ، وَأَلْقَى خَالِدٌ نَفْسَهُ فِيهَا بِفَرَسِهِ وَلِوَاؤُهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ شَبِيبٌ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، هَذَا أَسَدُ النَّاسٍ! فَقِيلَ: هُوَ خَالِدُ بْنُ عَتَّابٍ. فَقَالَ: مُعْرَقٌ [لَهُ] فِي الشَّجَاعَةِ، وَلَوْ عَرَفْتُهُ لَأَقْحَمْتُ خَلْفَهُ وَلَوْ دَخَلَ النَّارَ. ثُمَّ سَارَ إِلَى كَرْمَانَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْتَمِدُّهُ، وَيُعَرِّفُهُ عَجْزَ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ قِتَالِ شَبِيبٍ، فَسَيَّرَ سُفْيَانَ بْنَ الْأَبْرَدِ فِي جَيْشٍ إِلَيْهِ.
ذِكْرُ مَهْلَكِ شَبِيبٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَلَكَ شَبِيبٌ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَنْفَقَ فِي أَصْحَابِ سُفْيَانَ بْنِ الْأَبْرَدِ مَالًا عَظِيمًا بَعْدَ أَنْ عَادَ شَبِيبٌ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ وَقَصَدَ كَرْمَانَ بِشَهْرَيْنِ، وَأَمَرَ سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ بِقَصْدِ شَبِيبٍ، فَسَارَ نَحْوَهُ، وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ زَوْجِ ابْنَتِهِ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يُرْسِلَ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِلَى سُفْيَانَ، فَسَيَّرَهُمْ مَعَ زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو الْعَتَكِيِّ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَى سُفْيَانَ حَتَّى الْتَقَى سُفْيَانُ مَعَ شَبِيبٍ، وَكَانَ شَبِيبٌ قَدْ أَقَامَ بِكَرْمَانَ، فَاسْتَرَاحَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ رَاجِعًا، فَالْتَقَى مَعَ سُفْيَانَ بِجِسْرِ دُجَيْلِ الْأَهْوَازِ، فَعَبَرَ شَبِيبٌ الْجِسْرَ إِلَى سُفْيَانَ، فَوَجَدَ سُفْيَانَ قَدْ نَزَلَ فِي الرِّجَالِ، (وَجَعَلَ مُهَاصِرَ بْنَ سَيْفٍ عَلَى الْخَيْلِ. وَأَقْبَلَ شَبِيبٌ فِي ثَلَاثَةِ كَرَادِيسَ فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَرَجَعَ شَبِيبٌ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ حَمْلَةً، وَلَا يَزُولُ أَهْلُ الشَّامِ، وَقَالَ لَهُمْ سُفْيَانُ: لَا تَتَفَرَّقُوا، وَلْيَزْحَفِ الرِّجَالُ) إِلَيْهِمْ زَحْفًا. فَمَا زَالُوا يُضَارِبُونَهُمْ وَيُطَاعِنُونَهُمْ حَتَّى اضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْجِسْرِ. فَلَمَّا انْتَهَى شَبِيبٌ إِلَى الْجِسْرِ نَزَلَ، وَنَزَلَ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute