للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ فِي هَزِيمَتِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدْ بَعَثَ إِلَى شَبِيبٍ أَمِيرًا فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَمِيرًا فَقَتَلَهُ، أَحَدُهُمَا أَعْيَنُ صَاحِبُ حَمَّامِ أَعْيَنَ، ثُمَّ جَاءَ شَبِيبٌ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ غَزَالَةُ، وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي جَامِعِ الْكُوفَةِ رَكْعَتَيْنِ تَقْرَأُ فِيهِمَا الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَاتَّخَذَ فِي عَسْكَرِهِ أَخْصَاصًا. فَجَمَعَ الْحَجَّاجُ لَيْلًا بَعْدَ أَنْ لَقِيَ مِنْ شَبِيبٍ النَّاسُ مَا لَقُوا، فَاسْتَشَارَهُمْ فِي أَمْرِ شَبِيبٍ، فَأَطْرَقُوا، وَفَصَلَ قُتَيْبَةَ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ الْأَمِيرَ مَا رَاقَبَ اللَّهَ وَلَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا نُصْحَ الرَّعِيَّةِ. قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ تَبْعَثُ الرَّجُلَ الشَّرِيفَ وَتَبْعَثُ مَعَهُ رَعَاعًا، فَيَنْهَزِمُونَ وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَنْهَزِمَ فَيُقْتَلُ. قَالَ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: الرَّأْيُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ فَتُحَاكِمَهُ. قَالَ: فَانْظُرْ لِي مُعَسْكَرًا.

فَخَرَجَ النَّاسُ يَلْعَنُونَ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَلَّمَ الْحَجَّاجَ فِيهِ حَتَّى جَعَلَهُ مِنْ صَحَابَتِهِ، وَصَلَّى الْحَجَّاجُ مِنَ الْغَدِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَأَقْبَلَ قُتَيْبَةُ وَقَدْ رَأَى مُعَسْكَرًا حَسَنًا، فَدَخَلَ إِلَى الْحَجَّاجِ، ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ لِوَاءٌ مَنْشُورٌ، وَخَرَجَ الْحَجَّاجُ يَتْبَعُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَى السَّبْخَةِ وَبِهَا شَبِيبٌ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَتَوَاقَفُوا، وَقِيلَ لِلْحَجَّاجِ: لَا تُعَرِّفْهُ مَكَانَكَ، فَأَخْفَى مَكَانَهُ، وَشَبَّهَ لَهُ أَبَا الْوَرْدِ مَوْلَاهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِعَمُودٍ فَقَتَلَهُ، وَحَمَلَ شَبِيبٌ عَلَى خَالِدِ بْنِ عَتَّابٍ وَمَنْ مَعَهُ وَهُوَ عَلَى مَيْسَرَةِ الْحَجَّاجِ، فَبَلَغَ بِهِمُ الرَّحْبَةَ، وَحَمَلَ عَلَى مَطَرِ بْنِ نَاجِيَةَ وَهُوَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْحَجَّاجِ فَكَشَفَهُ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَجَّاجُ، وَنَزَلَ أَصْحَابُهُ، وَجَلَسَ عَلَى عَبَاءَةٍ وَمَعَهُ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، فَإِنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ تَنَاوَلَ مَصْقَلَةُ بْنُ مُهَلْهِلٍ الضَّبِّيُّ لِجَامَ شَبِيبٍ وَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي صَالِحِ بْنِ مُسَرِّحٍ، وَبِمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَعَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَبَرِئَ مِنْ صَالِحٍ. فَقَالَ لَهُ مَصْقَلَةُ: بَرِئَ اللَّهُ مِنْكَ، وَفَارَقَهُ إِلَّا أَرْبَعِينَ فَارِسًا، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: قَدِ اخْتَلَفُوا، وَأَرْسَلَ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَتَّابٍ، فَأَتَى بِهِمْ فِي عَسْكَرِهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَتْ غَزَالَةُ، وَمُرَّ بِرَأْسِهَا إِلَى الْحَجَّاجِ مَعَ فَارِسٍ، فَعَرَفَهُ شَبِيبٌ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَحَمَلَ عَلَى الْفَارِسِ فَقَتَلَهُ وَجَاءَ بِالرَّأْسِ، فَأَمَرَ بِهِ فَغُسِّلَ ثُمَّ دَفَنَهُ.

وَمَضَى الْقَوْمُ عَلَى حَامِيَتِهِمْ، وَرَجَعَ خَالِدٌ فَأَخْبَرَ الْحَجَّاجَ بِانْصِرَافِهِمْ، فَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهِمْ، فَاتَّبَعَهُمْ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ فَقَاتَلُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الرَّحْبَةَ، وَأُتِيَ شَبِيبٌ بِخُوطِ بْنِ عُمَيْرٍ السَّدُوسِيِّ فَقَالَ: يَا خُوطُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فَقَالَ: (إِنَّ خُوطًا مِنْ أَصْحَابِكُمْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَخَافُ. فَأَطْلَقَهُ، وَأُتِيَ بِعُمَيْرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ فَقَالَ: يَا عُمَيْرُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>