ثُمَّ إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَتَّابٍ قَالَ لِلْحَجَّاجِ: ائْذَنْ لِي فِي قِتَالِهِمْ فَإِنِّي مَوْتُورٌ، فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَصَدَ عَسْكَرَهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَقَتَلَ مُصَادًا أَخَا شَبِيبٍ، وَقَتَلَ امْرَأَتَهُ غَزَالَةَ، وَحَرَّقَ فِي عَسْكَرِهِ. وَأَتَى الْخَبَرُ الْحَجَّاجَ وَشَبِيبًا، فَكَبَّرَ الْحَجَّاجُ وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَّا شَبِيبٌ فَرَكِبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ لِأَهْلِ الشَّامِ: احْمِلُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَتَاهُمْ مَا أَرْعَبَهُمْ. فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ فَهَزَمُوهُمْ، وَتَخَلَّفَ شَبِيبٌ فِي حَامِيَةِ النَّاسِ. فَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى خَيْلِهِ: أَنْ دَعُوهُ، فَتَرَكُوهُ وَرَجَعُوا، وَدَخَلَ الْحَجَّاجُ الْكُوفَةَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا قُوتِلَ شَبِيبٌ قَبْلَهَا، وَلَّى وَاللَّهِ هَارِبًا وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ يُكْسَرُ فِي اسْتِهَا الْقَصَبُ. ثُمَّ دَعَا حَبِيبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَكَمِيَّ فَبَعَثَهُ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِي أَثَرِ شَبِيبٍ وَقَالَ لَهُ: احْذَرْ بَيَاتَهُ، وَحَيْثُ لَقِيتَهُ فَانْزِلْ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ فَلَّ حَدَّهُ، وَقَصَمَ نَابَهُ.
فَخَرَجَ فِي أَثَرِهِ حَتَّى نَزَلَ الْأَنْبَارَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ نَادَى عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ: مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ فَهُوَ آمِنٌ. فَتَفَرَّقَ عَنْ شَبِيبٍ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا نَزَلَ حَبِيبٌ الْأَنْبَارَ أَتَاهُمْ شَبِيبٌ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، وَكَانَ حَبِيبٌ قَدْ جَعَلَ أَصْحَابَهُ أَرْبَاعًا، وَقَالَ لِكُلِّ رُبُعٍ مِنْهُمْ: لِيَمْنَعْ كُلُّ رُبُعٍ مِنْكُمْ جَانِبَهُ، فَإِنْ قَاتَلَ هَذَا الرُّبُعُ فَلَا يُعِنْهُمُ الرُّبُعُ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ قَرِيبٌ مِنْكُمْ، فَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ مُبَيَّتُونَ وَمُقَاتَلُونَ.
فَأَتَاهُمْ شَبِيبٌ وَهُمْ عَلَى تَعْبِيَةٍ، فَحَمَلَ عَلَى رُبُعٍ فَقَاتَلَهُمْ طَوِيلًا، فَمَا زَالَتْ قَدَمُ إِنْسَانٍ عَنْ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَأَقْبَلَ إِلَى رُبُعٍ آخَرَ فَكَانُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى رُبُعًا آخَرَ فَكَانُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ الرُّبُعَ الرَّابِعَ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ اللَّيْلِ، ثُمَّ نَازَلَهُمْ رَاجِلًا، فَسَقَطَتْ مِنْهُمُ الْأَيْدِي، وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى، وَفُقِئَتِ الْأَعْيُنُ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ شَبِيبٍ نَحْوُ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ نَحْوُ مِائَةٍ، وَاسْتَوْلَى التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ، (حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فَلَا يَصْنَعُ شَيْئًا) ، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُقَاتِلُ جَالِسًا، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ مِنَ التَّعَبِ.
فَلَمَّا يَئِسَ شَبِيبٌ مِنْهُمْ تَرَكَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ. ثُمَّ قَطَعَ دِجْلَةَ وَأَخَذَ فِي أَرْضِ جُوخَى، ثُمَّ قَطَعَ دِجْلَةَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ وَاسِطَ، ثُمَّ أَخَذَ نَحْوَ الْأَهْوَازِ، ثُمَّ إِلَى فَارِسَ، ثُمَّ إِلَى كَرْمَانَ لِيَسْتَرِيحَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute