للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ تِجْفَافٌ، وَمَعَهُ غِلْمَانٌ لَهُ وَقَالُوا: هَذَا الْحَجَّاجُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الْحَجَّاجُ فَقَدْ أَرَحْتُكُمْ مِنْهُ.

ثُمَّ أَخْرَجَ الْحَجَّاجُ غُلَامَهُ طَهْمَانَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْعُدَّةِ وَالْحَالَةِ، فَقَتَلَهُ شَبِيبٌ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الْحَجَّاجُ فَقَدْ أَرَحْتُكُمْ مِنْهُ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَجَّاجَ خَرَجَ ارْتِفَاعَ النَّهَارِ مِنَ الْقَصْرِ، فَطَلَبَ بَغْلًا يَرْكَبُهُ إِلَى السَّبْخَةِ، فَأُتِيَ بِبَغْلٍ، فَرَكِبَهُ وَمَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ، فَخَرَجَ، فَلَمَّا رَأَى الْحَجَّاجُ شَبِيبًا وَأَصْحَابَهُ نَزَلَ، وَكَانَ شَبِيبٌ فِي سِتِّمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَقْبَلَ نَحْوَ الْحَجَّاجِ، وَجَعَلَ الْحَجَّاجُ سَبْرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ، وَدَعَا الْحَجَّاجُ بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَادَى: [يَا] أَهْلَ الشَّامِ، أَنْتُمْ أَهْلُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ [وَالصَّبْرِ] وَالْيَقِينِ، فَلَا يَغْلِبَنَّ بَاطِلُ هَؤُلَاءِ الْأَرْجَاسِ حَقَّكُمْ، غُضُّوا الْأَبْصَارَ، وَاجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ، وَاسْتَقْبِلُوهُمْ بِأَطْرَافِ الْأَسِنَّةِ. فَفَعَلُوا وَأَشْرَعُوا الرِّمَاحَ، وَكَأَنَّهُمْ حَرَّةٌ سَوْدَاءُ، وَأَقْبَلَ شَبِيبٌ فِي ثَلَاثَةِ كَرَادِيسَ، كَتِيبَةٌ مَعَهُ، وَكَتِيبَةٌ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَكَتِيبَةٌ مَعَ الْمُحَلِّلِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالَ لِسُوَيْدٍ: احْمِلْ عَلَيْهِمْ فِي خَيْلِكَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَثَبَتُوا لَهُ وَوَثَبُوا فِي وَجْهِهِ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ، فَطَعَنُوهُ حَتَّى انْصَرَفَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ.

وَصَاحَ الْحَجَّاجُ: هَكَذَا فَافْعَلُوا، وَأَمَرَ بِكُرْسِيِّهِ فَقُدِّمَ، وَأَمَرَ شَبِيبٌ الْمُحَلِّلَ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَفَعَلُوا بِهِ كَذَلِكَ، فَنَادَاهُمُ الْحَجَّاجُ: هَكَذَا فَافْعَلُوا، وَأَمَرَ بِكُرْسِيِّهِ فَقُدِّمَ.

ثُمَّ إِنَّ شَبِيبًا حَمَلَ عَلَيْهِمْ فِي كَتِيبَتِهِ، فَثَبَتُوا لَهُ وَصَنَعُوا بِهِ كَذَلِكَ، فَقَاتَلَهُمْ طَوِيلًا، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ طَاعَنُوهُ حَتَّى أَلْحَقُوهُ بِأَصْحَابِهِ. فَلَمَّا رَأَى صَبْرَهُمْ نَادَى: يَا سُوَيْدُ، احْمِلْ عَلَيْهِمْ بِأَصْحَابِكَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ السِّكَّةِ، لَعَلَّكَ تُزِيلُ أَهْلَهَا، وَتَأْتِي الْحَجَّاجَ مِنْ وَرَائِهِ، وَنَحْمِلُ نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ أَمَامِهِ. فَحَمَلَ سُوَيْدٌ، فَرُمِيَ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ وَأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَرَجَعَ. وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ جَعَلَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ رِدْءًا لَهُ، لِئَلَّا يُؤْتَوْا مِنْ خَلْفِهِمْ، فَجَمَعَ شَبِيبٌ أَصْحَابَهُ لِيَحْمِلَ بِهِمْ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: اصْبِرُوا لِهَذِهِ الشِّدَّةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ هُوَ الْفَتْحُ. فَجَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ.

وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ شَبِيبٌ بِجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، فَوَثَبُوا فِي وَجْهِهِ، وَمَا زَالُوا يُطَاعِنُونَهُ وَيُضَارِبُونَهُ قُدُمًا، وَيَدْفَعُونَهُ وَأَصْحَابَهُ حَتَّى أَجَازُوهُمْ مَكَانَهُمْ، وَأَمَرَ شَبِيبٌ أَصْحَابَهُ بِالنُّزُولِ، فَنَزَلَ نِصْفُهُمْ، وَجَاءَ الْحَجَّاجُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَسْجِدِ شَبِيبٍ ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، هَذَا أَوَّلُ الْفَتْحِ، وَصَعِدَ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مَعَهُمُ النَّبْلُ لِيَرْمُوهُمْ إِنْ دَنَوْا مِنْهُ، فَاقْتَتَلُوا عَامَّةَ النَّهَارِ أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ حَتَّى أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِصَاحِبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>