للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجَاءَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَامِرٍ الشَّيْبَانِيُّ فَقَتَلَهُ، فَانْتَهَى إِلَيْهِ شَبِيبٌ فَرَآهُ صَرِيعًا فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: هَذَا زُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ قُتِلْتَ عَلَى ضَلَالَةٍ لَرُبَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَسُنَ فِيهِ بَلَاؤُكَ، وَعَظُمَ فِيهِ غَنَاؤُكَ! وَلَرُبَّ خَيْلٍ لِلْمُشْرِكِينَ هَزَمْتَهَا، وَقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ جَمٍّ أَهْلُهَا قَدِ افْتَتَحْتَهَا! ثُمَّ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّكَ تُقْتَلُ نَاصِرًا لِلظَّالِمِينَ. وَتَوَجَّعَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إِنَّكَ لَتَتَوَجَّعُ لِرَجُلٍ كَافِرٍ. فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْرَفَ بِضَلَالَتِهِمْ مِنِّي، وَلَكِنِّي أَعْرِفُ مِنْ قَدِيمِ أَمْرِهِمْ مَا لَا تَعْرِفُ، مَا لَوْ ثَبَتُوا عَلَيْهِ لَكَانُوا إِخْوَانَنَا.

فَاسْتَمْسَكَ شَبِيبٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالنَّاسِ، فَقَالَ: ارْفَعُوا السَّيْفَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ وَهَرَبُوا مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِمْ، وَحَوَى مَا فِي الْعَسْكَرِ، وَبَعَثَ إِلَى أَخِيهِ فَأَتَاهُ مِنَ الْمَدَائِنِ. وَأَقَامَ شَبِيبٌ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِبَيْتِ قُرَّةَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ الْكُوفَةِ، فَنَزَلَ بُسُورَا وَقَتَلَ عَامِلَهَا.

وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ الْأَبْرَدِ وَعَسْكَرُ الشَّامِ قَدْ دَخَلُوا الْكُوفَةَ، فَشَدُّوا ظَهْرَ الْحَجَّاجِ وَاسْتَغْنَى بِهِ وَبِعَسْكَرِهِ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، لَا أَعَزَّ اللَّهُ مَنْ أَرَادَ بِكُمُ الْعِزَّ، وَلَا نَصَرَ مَنْ أَرَادَ بِكُمُ النَّصْرَ، اخْرُجُوا عَنَّا فَلَا تَشْهَدُوا مَعَنَا قِتَالَ عَدُوِّنَا، انْزِلُوا بِالْحِيرَةِ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا يُقَاتِلْ مَعَنَا إِلَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ قِتَالَ عَتَّابٍ.

ذِكْرُ قُدُومِ شَبِيبٍ الْكُوفَةَ أَيْضًا وَانْهِزَامِهِ عَنْهَا

ثُمَّ سَارَ شَبِيبٌ مِنْ سُورَا فَنَزَلَ حَمَّامَ أَعْيَنَ، فَدَعَا الْحَجَّاجُ الْحَارِثَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الثَّقَفِيَّ، فَوَجَّهَهُ فِي نَاسٍ مِنَ الشُّرَطِ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْمَ عَتَّابٍ وَغَيْرِهِمْ، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ أَلْفٍ، فَنَزَلَ زُرَارَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ شَبِيبًا، فَعَجَّلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ حَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَجَاءَ الْمُنْهَزِمُونَ فَدَخَلُوا الْكُوفَةَ، وَجَاءَ شَبِيبٌ فَعَسْكَرَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَأَقَامَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ غَيْرُ قَتْلِ الْحَارِثِ.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَخْرَجَ الْحَجَّاجُ مَوَالِيَهُ، فَأَخَذُوا بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ، وَجَاءَ شَبِيبٌ فَنَزَلَ السَّبْخَةَ وَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ أَخْرَجَ الْحَجَّاجُ أَبَا الْوَرْدِ مَوْلَاهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>