للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى جَلَسَ فِي الْقَلْبِ وَمَعَهُ زُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ جَالِسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ الْعَدَوِيُّ. وَأَقْبَلَ شَبِيبٌ وَهُوَ فِي سِتِّمِائَةٍ وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ، فَقَالَ: لَقَدْ تَخَلَّفَ عَنَّا مَنْ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَى فِينَا، فَجَعَلَ سُوَيْدَ بْنَ سُلَيْمٍ فِي مِائَتَيْنِ فِي الْمَيْسَرَةِ، وَجَعَلَ الْمُحَلِّلَ بْنَ وَائِلٍ فِي مِائَتَيْنِ فِي الْقَلْبِ، وَمَضَى هُوَ فِي مِائَتَيْنِ إِلَى الْمَيْمَنَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ حِينَ أَضَاءَ الْقَمَرُ، فَنَادَاهُمْ: لِمَنْ هَذِهِ الرَّايَاتُ؟ فَقَالُوا: رَايَاتٌ لِرَبِيعَةَ. قَالَ: طَالَمَا نَصَرَتِ الْحَقَّ، وَطَالَمَا نَصَرَتِ الْبَاطِلَ، وَاللَّهِ لَأُجَاهِدَنَّكُمْ مُحْتَسِبًا، أَنَا شَبِيبٌ، لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، لِلْحَكَمِ، اثْبُتُوا إِنْ شِئْتُمْ! ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَفَضَّهُمْ، فَثَبَتَ أَصْحَابُ رَايَاتِ قَبِيصَةَ بْنِ وَالِقٍ، وَعُبَيْدِ بْنِ الْحُلَيْسِ، وَنُعَيْمِ بْنِ عُلَيْمٍ فَقُتِلُوا، وَانْهَزَمَتِ الْمَيْسَرَةُ كُلُّهَا، وَنَادَى النَّاسُ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ: قُتِلَ قَبِيصَةُ! وَقَالَ شَبِيبٌ: قَتَلْتُمُوهُ، وَمِثْلَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: ١٧٥] . ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ ثَبَتَّ عَلَى إِسْلَامِكَ الْأَوَّلِ سَعِدْتَ! وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَذَا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَاءَ يُقَاتِلُكُمْ مَعَ الْفَسَقَةِ.

ثُمَّ إِنَّ شَبِيبًا حَمَلَ مِنَ الْمَيْسَرَةِ عَلَى عَتَّابٍ، وَحَمَلَ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ عَلَى الْمَيْمَنَةِ، وَعَلَيْهِمَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَاتَلَهُمْ فِي رِجَالٍ مِنْ تَمِيمٍ وَهَمْدَانَ، فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لَهُمْ قُتِلَ عَتَّابٌ، فَانْفَضُّوا.

وَلَمْ يَزَلْ عَتَّابٌ جَالِسًا عَلَى طَنْفَسَةٍ فِي الْقَلْبِ وَمَعَهُ زُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ إِذْ غَشِيَهُمْ شَبِيبٌ، فَقَالَ لَهُ عَتَّابٌ: يَا زُهْرَةُ، هَذَا يَوْمٌ كَثُرَ فِيهِ الْعَدَدُ، وَقَلَّ فِيهِ الْغَنَاءُ، وَالَهَفِي عَلَى خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ تَمِيمٍ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، أَلَا صَابِرٌ لِعَدُوِّهِ؟ أَلَا مُوَاسٍ بِنَفْسِهِ؟ فَانْفَضُّوا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ، فَقَالَ [لَهُ] زُهْرَةُ: أَحْسَنْتَ يَا عَتَّابُ، فَعَلْتَ فِعْلًا [لَا يَفْعَلُهُ] مِثْلُكَ. أَبْشِرْ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - قَدْ أَهْدَى إِلَيْنَا الشَّهَادَةَ عِنْدَ فَنَاءِ أَعْمَارِنَا.

فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ شَبِيبٌ وَثَبَ فِي عِصَابَةٍ قَلِيلَةٍ صَبَرَتْ مَعَهُ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَشْعَثِ قَدْ هَرَبَ وَتَبِعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ. فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ ذَلِكَ الْفَتَى يُبَالِي مَا صَنَعَ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ سَاعَةً، فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ شَبِيبٍ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ عُمَرَ التَّغْلِبِيُّ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ، وَوَطِئَتِ الْخَيْلُ زُهْرَةَ بْنَ حَوِيَّةَ، فَأَخَذَ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>