للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَمَّا مَلَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَعَلَهُ اللَّهُ نَبِيًّا وَمَلِكًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الزَّبُورَ، وَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ الدُّرُوعِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا، وَأَلَانَ لَهُ الْحَدِيدَ، وَأَمَرَ الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ يُسَبِّحُونَ مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ، وَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِثْلَ صَوْتِهِ، كَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ تَدْنُو الْوُحُوشُ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَعْنَاقِهَا وَإِنَّهَا لَمُصِيخَةٌ تَسْمَعُ صَوْتَهُ.

وَكَانَ شَدِيدَ الِاجْتِهَادِ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ وَالْبُكَاءِ، وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ، وَكَانَ يَحْرُسُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ.

وَفِي مُلْكِهِ مُسِخَ أَهْلُ أَيْلَةَ قِرْدَةً، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ حِيتَانُ الْبَحْرِ كَثِيرًا، فَإِذَا كَانَ غَيْرُ يَوْمِ السَّبْتِ لَا يَجِيءُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَعَمِلُوا عَلَى جَانِبِ الْبَحْرِ حِيَاضًا كَبِيرَةً، وَأَجْرَوْا إِلَيْهَا الْمَاءَ، فَإِذَا كَانَ آخِرُ نَهَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَتَحُوا الْمَاءَ إِلَى الْحِيَاضِ فَتَدْخُلُهَا الْحِيتَانُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا، فَيَأْخُذُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، فَنَهَاهُمْ بَعْضُ أَهْلِهَا فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً وَبَقُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهَلَكُوا.

ذِكْرُ فِتْنَتِهِ بِزَوْجَةِ أُورِيَّا

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُ بِزَوْجَةِ أُورِيَّا.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَسَّمَ زَمَانَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَوْمًا يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَوْمًا يَخْلُو فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَيَوْمًا يَخْلُو فِيهِ مَعَ نِسَائِهِ، وَكَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَكَانَ يَحْسُدُ فَضْلَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّي، أَرَى الْخَيْرَ قَدْ ذَهَبَ بِهِ آبَائِي فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ! فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ آبَاءَكَ ابْتُلُوا بِبَلَاءٍ فَصَبَرُوا، ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، وَابْتُلِيَ إِسْحَاقُ بِذَهَابِ بَصَرِهِ، وَابْتُلِيَ يَعْقُوبُ بِحُزْنِهِ عَلَى يُوسُفَ. فَقَالَ: رَبِّ ابْتَلِنِي بِمِثْلِ مَا ابْتَلَيْتَهُمْ، وَأَعْطِنِي بِمِثْلِ مَا أَعْطَيْتَهُمْ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّكَ مُبْتَلًى فَاحْتَرِسْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>