وَلَمَّا كَانَ الْمُهَلَّبُ بِكِشَّ أَتَاهُمْ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ، فَحَبَسَهُمْ بِهَا، فَلَمَّا رَجَعَ أَطْلَقَهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ: إِنْ كُنْتَ أَصَبْتَ بِحَبْسِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأْتَ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَإِنْ كُنْتَ أَصَبْتَ بِإِطْلَاقِهِمْ، فَقَدْ ظَلَمْتَهُمْ إِذْ حَبَسْتَهُمْ. فَكَتَبَ الْمُهَلَّبُ: خِفْتُهُمْ وَحَبَسْتُهُمْ، فَلَمَّا أَمِنْتُهُمْ خَلَّيْتُهُمْ. وَكَانَ فِيمَنْ حُبِسَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي شَيْخٍ الْقُشَيْرِيُّ.
وَصَالَحَ الْمُهَلَّبُ أَهْلَ كِشَّ عَلَى فِدْيَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ، وَأَتَاهُ كِتَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ بِخَلْعِ الْحَجَّاجِ وَيَدْعُوهُ إِلَى مُسَاعَدَتِهِ، فَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ وَأَقَامَ بِكِشَّ.
ذِكْرُ تَسْيِيرِ الْجُنُودِ إِلَى رُتْبِيلَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ
قَدْ ذَكَرْنَا حَالَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ دَخَلَ بِهِمُ ابْنُ أَبِي بَكْرَةَ بِلَادَ رُتْبِيلَ، وَاسْتَأْذَنَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ الْمَلِكِ فِي تَسْيِيرِ الْجُنُودِ نَحْوَ رُتْبِيلَ، فَأَذِنَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي ذَلِكَ، فَأَخَذَ الْحَجَّاجُ فِي تَجْهِيزِ الْجَيْشِ، فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَجَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَاتِهِمْ كَمَلًا، وَأَنْفَقَ فِيهِمْ أَلْفَيْ أَلْفٍ سِوَى أُعْطِيَاتِهِمْ، وَأَنْجَدَهُمْ بِالْخَيْلِ الرَّائِقَةِ وَالسِّلَاحِ الْكَامِلِ، وَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ يُوصَفُ بِشَجَاعَةٍ وَغَنَاءٍ، مِنْهُمْ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيُّ وَغَيْرُهُ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْجُنْدَيْنِ بَعَثَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ يُبْغِضُهُ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ إِلَّا أَرَدْتُ قَتْلَهُ. وَسَمِعَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ مِنَ الْحَجَّاجِ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَخْبَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَاوِلَنَّ أَنْ أُزِيلَ الْحَجَّاجَ عَنْ سُلْطَانِهِ. فَلَمَّا أَرَادَ الْحَجَّاجُ أَنْ يَبْعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى ذَلِكَ الْجَيْشِ أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْأَشْعَثِ فَقَالَ لَهُ: لَا تَبْعَثْهُ، فَوَاللَّهِ مَا جَازَ جِسْرَ الْفُرَاتِ فَرَأَى لِوَالٍ عَلَيْهِ طَاعَةً، وَإِنِّي أَخَافُ خِلَافَهُ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: هُوَ أَهْيَبُ لِي مِنْ أَنْ يُخَالِفَ أَمْرِي. وَسَيَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى قَدِمَ سِجِسْتَانَ، فَجَمَعَ أَهْلَهَا فَخَطَبَهُمْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْحَجَّاجَ وَلَّانِي ثَغْرَكُمْ، وَأَمَرَنِي بِجِهَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute