عَدُوِّكُمُ الَّذِي اسْتَبَاحَ بِلَادَكُمْ، فَإِيَّاكُمْ أَنْ يَتَخَلَّفَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَتَمَسَّهُ الْعُقُوبَةُ.
فَعَسْكَرُوا مَعَ النَّاسِ وَتَجَهَّزُوا، وَسَارَ بِأَجْمَعِهِمْ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ رُتْبِيلَ، فَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ وَيَبْذُلُ الْخَرَاجَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، وَسَارَ إِلَيْهِ وَدَخَلَ بِلَادَهُ، وَتَرَكَ لَهُ رُتْبِيلُ أَرْضًا أَرْضًا، وَرُسْتَاقًا رُسْتَاقًا، وَحِصْنًا حِصْنًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَحْوِي ذَلِكَ، وَكُلَّمَا حَوَى بَلَدًا بَعَثَ إِلَيْهِ عَامِلًا، وَجَعَلَ مَعَهُ أَعْوَانًا، وَجَعَلَ الْأَرْصَادَ عَلَى الْعِقَابِ وَالشِّعَابِ، وَوَضَعَ الْمَسَالِحَ بِكُلِّ مَكَانٍ مَخُوفٍ، حَتَّى إِذَا جَازَ مِنْ أَرْضِهِ [أَرْضًا] عَظِيمَةً، وَمَلَأَ النَّاسُ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْغَنَائِمِ الْعَظِيمَةِ - مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الْوُغُولِ فِي أَرْضِ رُتْبِيلَ، وَقَالَ: نَكْتَفِي بِمَا قَدْ أَصَبْنَاهُ الْعَامَ مِنْ بِلَادِهِمْ حَتَّى نَجْبِيَهَا وَنَعْرِفَهَا، وَيَجْتَرِئُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى طُرُقِهَا، وَفِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَأْخُذُ مَا وَرَاءَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - حَتَّى نُقَاتِلَهُمْ فِي آخِرِ ذَلِكَ عَلَى كُنُوزِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَقْصَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى -.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبِمَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ.
وَقَدْ قِيلَ فِي إِرْسَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدْ تَرَكَ بِكَرْمَانَ هِمْيَانَ بْنَ عَدِيٍّ السَّدُوسِيَّ، يَكُونُ بِهَا مَسْلَحَةً إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ عَامِلُ سِجِسْتَانَ وَالسِّنْدَ، فَعَصَى هِمْيَانُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَحَارَبَهُ فَانْهَزَمَ هِمْيَانُ، وَأَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمَوْضِعِهِ. ثُمَّ إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ مَاتَ، وَكَانَ عَامِلًا عَلَى سِجِسْتَانَ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَهْدَهُ عَلَيْهَا، وَجَهَّزَ إِلَيْهِ هَذَا الْجَيْشَ، فَكَانَ يُسَمَّى جَيْشَ الطَّوَاوِيسِ لِحُسْنِهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَحَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ عَلَى الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ الْحَجَّاجُ، وَكَانَ عَلَى خُرَاسَانَ الْمُهَلَّبُ مِنْ قِبَلِ الْحَجَّاجِ، وَكَانَ عَلَى قَضَاءِ الْبَصْرَةِ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، وَعَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ أَبُو بُرْدَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute