للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَذَاكَ، فَقَالَ الْمَلَكُ: مَا أَنْتَ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ. قَالَ دَاوُدُ: فَإِنْ لَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ مَالَهُ ضَرَبْنَا مِنْكَ هَذَا وَهَذَا، وَأَوْمَأَ إِلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ. قَالَ: يَا دَاوُدُ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يُضْرَبَ مِنْكَ هَذَا وَهَذَا حَيْثُ لَكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً وَلَمْ يَكُنْ لَأُورِيَّا إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى قُتِلَ وَتَزَوَّجْتَ امْرَأَتَهُ. ثُمَّ غَابَا عَنْهُ.

فَعَرَفَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ وَمَا وَقَعَ فِيهِ، فَخَرَّ سَاجِدًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَأَدَامَ الْبُكَاءَ حَتَّى نَبَتَ مِنْ دُمُوعِهِ عُشْبٌ غَطَّى رَأْسَهُ، ثُمَّ نَادَى: يَا رَبِّ، قَرُحَ الْجَبِينُ، وَجَمُدَتِ الْعَيْنُ، وَدَاوُدُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ فِي خَطِيئَتِهِ بِشَيْءٍ. فَنُودِيَ: أَجَائِعٌ فَتُطْعَمَ، أَمْ مَرِيضٌ فَتُشْفَى، أَمْ مَظْلُومٌ فَتُنْصَرَ؟ قَالَ: فَنَحِبَ نَحْبَةً هَاجَ مَا نَبَتَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي؟ وَأَنْتَ حَكَمٌ عَدْلٌ لَا تَحِيفُ فِي الْقَضَاءِ إِذَا جَاءَ أُورِيَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا قِبَلَ عَرْشِكَ يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ دَعَوْتُهُ وَأَسْتَوْهِبُكَ مِنْهُ فَيَهَبُكَ لِي فَأَهَبُهُ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ. قَالَ: يَا رَبِّ الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي.

قَالَ: فَمَا اسْتَطَاعَ دَاوُدُ بَعْدَهَا أَنْ يَمْلَأَ عَيْنَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ حَتَّى قُبِضَ. وَنَقَشَ خَطِيئَتَهُ فِي يَدِهِ، فَكَانَ إِذَا رَآهَا اضْطَرَبَتْ يَدُهُ، وَكَانَ يُؤْتَى بِالشَّرَابِ لِيَشْرَبَهُ فَكَانَ يَشْرَبُ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ فَيَنْتَحِبُ حَتَّى تَكَادَ مَفَاصِلُهُ يَزُولُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ يَمْلَأُ الْإِنَاءَ مِنْ دُمُوعِهِ. وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ دَمْعَةَ دَاوُدَ تَعْدِلُ دُمُوعَ الْخَلَائِقِ، وَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَخَطِيئَتُهُ مَكْتُوبَةٌ فِي كَفِّهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، ذَنْبِي قَدِّمْنِي، فَيُقَدَّمُ، فَلَا يَأْمَنُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَخِّرْنِي، فَلَا يَأْمَنُ.

وَأَزَالَتِ الْخَطِيئَةُ طَاعَةَ دَاوُدَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَخَفُّوا بِأَمْرِهِ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْنٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ إِيشَى، وَأُمُّهُ ابْنَةُ طَالُوتَ فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَى دَاوُدَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَحَارَبَ ابْنَهُ حَتَّى هَزَمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>