وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ رُتْبِيلَ لَمَّا صَالَحَ عُمَارَةَ بْنَ تَمِيمٍ اللَّخْمِيَّ عَلَى ابْنِ الْأَشْعَثِ - كَتَبَ عُمَارَةُ إِلَى الْحَجَّاجِ بِذَلِكَ، فَأَطْلَقَ لَهُ خَرَاجَ بِلَادِهِ عَشْرَ سِنِينَ، فَأَرْسَلَ رُتْبِيلُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَحَضَرُوا، فَقَيَّدَهُمْ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى عُمَارَةَ، فَأَلْقَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَفْسَهُ مِنْ سَطْحِ قَصْرٍ فَمَاتَ، فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَسَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسَيَّرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
هَيْهَاتَ مَوْضِعُ جُثَّةٍ مِنْ رَأْسِهَا ... رَأْسٌ بِمِصْرَ وَجُثَّةٌ بِالرُّخَّجِ
وَقِيلَ: إِنَّ هَلَاكَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ.
ذِكْرُ عَزْلِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ عَنْ خُرَاسَانَ وَوِلَايَةِ أَخِيهِ الْمُفَضَّلِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ الْحَجَّاجُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ عَنْ خُرَاسَانَ.
وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ إِيَّاهُ أَنَّ الْحَجَّاجَ وَفَدَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِرَاهِبٍ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا. فَدَعَا بِهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ تَجِدُونَ فِي كُتُبِكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ وَنَحْنُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مُسَمًّى أَمْ مَوْصُوفٌ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ نَجِدُهُ مَوْصُوفًا بِغَيْرِ اسْمٍ، وَمُسَمًّى بِغَيْرِ صِفَةٍ. قَالَ: فَمَا تَجِدُونَ صِفَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَجِدُهُ فِي زَمَانِنَا: مَلِكٌ أَفْرَعْ، مَنْ يَقُمْ لِسَبِيلِهِ يُصْرَعْ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ اسْمُ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ، ثُمَّ رَجُلٌ اسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ يُفْتَحُ بِهِ عَلَى النَّاسِ. قَالَ: أَفَتَعْلَمُ مَنْ يَلِي بَعْدِي؟ قَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ. قَالَ: أَفَتَعْرِفُ صِفَتَهُ؟ قَالَ: يَغْدِرُ غَدْرَةً، لَا أَعْرِفُ غَيْرَ هَذَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، ثُمَّ سَارَ وَهُوَ وَجِلٌ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ. ثُمَّ عَادَ وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَذُمُّ يَزِيدَ وَآلَ الْمُهَلَّبِ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُمْ زُبَيْرِيَّةٌ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنِّي لَا أَرَى طَاعَتَهُمْ لِآلِ الزُّبَيْرِ نَقْصًا بِآلِ الْمُهَلَّبِ، وَفَاؤُهُمْ لَهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْوَفَاءِ لِي.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يُخَوِّفُهُ غَدْرَهُ وَبِمَا قَالَ الرَّاهِبُ. فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ: إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي يَزِيدَ وَآلِ الْمُهَلَّبِ، فَسَمِّ لِي رَجُلًا يَصْلُحُ لِخُرَاسَانَ. فَسَمَّى قُتَيْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ وَلِّهِ.
وَبَلَغَ يَزِيدَ أَنَّ الْحَجَّاجَ عَزَلَهُ، فَقَالَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ: مَنْ تَرَوْنَ الْحَجَّاجُ يُوَلِّي خُرَاسَانَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute