للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ. قَالَ: كَلَّا، وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ بِعَهْدِهِ، فَإِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ عَزَلَهُ، وَوَلَّى رَجُلًا مِنْ قَيْسٍ، وَأَخْلِقْ بِقُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ.

فَلَمَّا أَذِنَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي عَزْلِ يَزِيدَ كَرِهَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِعَزْلِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَخَاهُ الْمُفَضَّلَ وَيُقْبِلَ إِلَيْهِ.

وَاسْتَشَارَ يَزِيدُ حُضَيْنَ بْنَ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيَّ، فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ وَاعْتَلَّ، وَاكْتُبْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُقِرَّكَ، فَإِنَّهُ حَسَنُ الْحَالِ وَالرَّأْيِ فِيكَ. قَالَ يَزِيدُ: نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ بُورِكَ لَنَا فِي الطَّاعَةِ، وَأَنَا أَكْرَهُ الْخِلَافَ. فَأَخَذَ يَتَجَهَّزُ، فَأَبْطَأَ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْمُفَضَّلِ: إِنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ خُرَاسَانَ. فَجَعَلَ الْمُفَضَّلُ يَسْتَحِثُّ يَزِيدَ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ لَا يُقِرُّكَ بَعْدِي، وَإِنَّمَا دَعَاهُ إِلَى مَا صَنَعَ مَخَافَةَ أَنْ أَمْتَنِعَ عَلَيْهِ، وَسَتَعْلَمُ.

وَخَرَجَ يَزِيدُ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، وَأَقَرَّ الْحَجَّاجُ أَخَاهُ الْمُفَضَّلَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ عَزَلَهُ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَبَبَ عَزْلِهِ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَمٌّ إِلَّا يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ أَذَلَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ كُلَّهُمْ إِلَّا آلَ الْمُهَلَّبِ وَمَنْ مَعَهُمْ بِخُرَاسَانَ، وَتَخَوَّفَهُ عَلَى الْعِرَاقِ، وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِ لِيَأْتِيَهُ فَيَعْتَلَّ عَلَيْهِ بِالْعَدُوِّ وَالْحُرُوبِ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِعَزْلِ يَزِيدَ، وَيُخْبِرُهُ بِطَاعَتِهِمْ لِآلِ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَسَاقَ بَاقِيَ الْخَبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ حُضَيْنٌ لِيَزِيدَ: أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا فَعَصَيْتَنِي فَأَصْبَحْتَ مَسْلُوبَ الْإِمَارَةِ نَادِمَا فَمَا أَنَا بِالْبَاكِي عَلَيْكَ صَبَابَةً وَمَا أَنَا بِالدَّاعِي لِتَرْجِعَ سَالِمَا

قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ قُتَيْبَةُ خُرَاسَانَ قَالَ لِحُضَيْنٍ: مَا قُلْتَ لِيَزِيدَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا فَعَصَيْتَنِي فَنَفْسُكَ أَوْلِ اللَّوْمَ إِنْ كُنْتَ لَائِمَا فَإِنْ يَبْلُغِ الْحَجَّاجَ أَنْ قَدْ عَصَيْتَهُ فَإِنَّكَ تَلْقَى أَمْرَهُ مُتَفَاقِمَا

قَالَ: فَمَاذَا أَمَرْتَهُ بِهِ فَعَصَاكَ؟ قَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَدَعَ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا حَمَلَهَا إِلَى الْأَمِيرِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَوَجَدَهُ قُتَيْبَةُ قَارِحًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>