وَطَافَ بِهِ وَهُوَ فِي تُبَّانِ شَعْرٍ حَتَّى بَلَغَ رَأْسَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي يَقْتُلُونَ وَيَصْلُبُونَ عِنْدَهَا، ثُمَّ رَدُّوهُ وَحَبَسُوهُ. فَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ [لَا] يَصْلُبُونَنِي مَا لَبِسْتُ ثِيَابَ مَسُوحٍ، وَلَكِنَّنِي قُلْتُ: يَصْلُبُونَنِي فَيَسْتُرُنِي. فَبَلَغَ عَبْدَ الْمَلِكِ الْخَبَرُ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هِشَامًا، إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُبَايِعَ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ أَوْ يَكُفُّ عَنْهُ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ سَعِيدًا لَيْسَ عِنْدَهُ شِقَاقٌ وَلَا خِلَافٌ.
وَقَدْ كَانَ سَعِيدٌ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ: لَا أُبَايِعُ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ. فَضَرَبَهُ جَابِرُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَامِلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ سِتِّينَ سَوْطًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ إِلَى جَابِرٍ يَلُومُهُ وَقَالَ: مَا لَنَا وَلِسَعِيدٍ، دَعْهُ لَا تَعْرِضْ لَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ بَيْعَةَ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَبْلَ قُدُومِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى أَخِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ مِصْرَ، فَلَمَّا فَارَقَهُ وَصَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَالَ: ابْسُطْ بِشْرَكَ، وَأَلِنْ كَنَفَكَ، وَآثِرِ الرِّفْقَ فِي الْأُمُورِ، فَهُوَ أَبْلَغُ بِكَ، وَانْظُرْ حَاجِبَكَ، وَلْيَكُنْ مِنْ خَيْرِ أَهْلِكَ، فَإِنَّهُ وَجْهُكَ وَلِسَانُكَ، وَلَا يَقِفَنَّ أَحَدٌ بِبَابِكَ إِلَّا أَعْلَمَكَ مَكَانَهُ، لِتَعْلَمَ أَنْتَ الَّذِي تَأْذَنُ لَهُ أَوْ تَرُدُّهُ، فَإِذَا خَرَجْتَ إِلَى مَجْلِسِكَ فَابْدَأْ جُلَسَاءَكَ بِالْكَلَامِ يَأْنَسُوا بِكَ، وَتَثْبُتَ فِي قُلُوبِهِمْ مَحَبَّتُكَ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَيْكَ مُشْكِلٌ فَاسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ بِالْمُشَاوَرَةِ، فَإِنَّهَا تَفْتَحُ مَغَالِيقَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرَّأْيِ وَلِأَخِيكَ نَصْفَهُ، وَلَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَنْ مَشُورَةٍ، وَإِذَا سَخِطْتَ عَلَى أَحَدٍ فَأَخِّرْ عُقُوبَتَهُ، فَإِنَّكَ عَلَى الْعُقُوبَةِ بَعْدَ التَّوَقُّفِ عَنْهَا أَقْدَرُ مِنْكَ عَلَى رَدِّهَا بَعْدَ إِمْضَائِهَا. وَالسَّلَامُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
حَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ. وَكَانَ الْعَامِلَ عَلَى الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ. وَفِيهَا غَزَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ أَرْمِينِيَّةَ، فَصَافَ فِيهَا وَشَتَّى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute