للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى نَفْسِكَ صَوْتَ عَارٍ، وَلَعَلَّ الْمَوْتَ يَأْتِيهِ [فَتَسْتَرِيحَ مِنْهُ] . فَكَفَّ عَنْهُ وَنَفْسُهُ تُنَازِعُهُ إِلَى خَلْعِهِ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ، وَكَانَ أَجَلَّ النَّاسِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ خَلَعْتَهُ مَا انْتَطَحَ فِيهِ عَنْزَانِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُكَ إِلَى ذَلِكَ. قَالَ: نُصْبِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَنَامَ رَوْحٌ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَهُمَا نَائِمَانِ، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَى حُجَّابِهِ أَنْ لَا يَحْجُبُوا قَبِيصَةَ عَنْهُ، وَكَانَ إِلَيْهِ الْخَاتَمُ وَالسِّكَّةُ، تَأْتِيهِ الْأَخْبَارُ قَبْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْكُتُبُ. فَلَمَّا دَخَلَ سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ: آجَرَكَ اللَّهُ فِي عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخِيكَ. قَالَ: هَلْ تُوُفِّيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَوْحٍ وَقَالَ: كَفَانَا اللَّهُ مَا كُنَّا نُرِيدُ، وَكَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لَكَ يَا قَبِيصَةُ. فَقَالَ قَبِيصَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الرَّأْيَ كُلَّهُ فِي الْأَنَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْعَجَلَةِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، رَأَيْتَ أَمْرَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، أَلَمْ تَكُنِ الْعَجَلَةُ فِيهِ خَيْرًا مِنَ الْأَنَاةِ؟

وَكَانَتْ وَفَاةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي جُمَادَى الْأُولَى فِي مِصْرَ، فَضَمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ عَمَلَهُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَلَّاهُ مِصْرَ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْحَجَّاجَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُزَيِّنُ لَهُ بَيْعَةَ الْوَلِيدِ، وَأَوْفَدَ فِي ذَلِكَ وَفْدًا، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ خَلْعَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْبَيْعَةَ لِلْوَلِيدِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ يَصِيرَ هَذَا الْأَمْرُ لِابْنِ أَخِيكَ. فَأَبَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ لِيَجْعَلَ الْأَمْرَ لَهُ، وَيَجْعَلَهُ لَهُ أَيْضًا مِنْ بَعْدِهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ: إِنِّي أَرَى فِي ابْنِي أَبِي بَكْرٍ مَا تَرَى فِي الْوَلِيدِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ لِيَحْمِلَ خَرَاجَ مِصْرَ، فَأَجَابَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: إِنِّي وَإِيَّاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بَلَغْنَا سِنًّا لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ إِلَّا كَانَ بَقَاؤُهُ قَلِيلًا، وَإِنَّا لَا نَدْرِي أَيُّنَا يَأْتِيهِ الْمَوْتُ أَوَّلًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ لَا تُفْسِدَ عَلَيَّ بَقِيَّةَ عُمُرِي فَافْعَلْ. فَرَقَّ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَتَرَكَهُ، وَقَالَ لِلْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَكُمَا الْخِلَافَةَ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الْعِبَادِ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ حَيْثُ رَدَّهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَطَعَنِي فَاقْطَعْهُ.

فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ أَهْلُ الشَّامِ: رُدَّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرَهُ. فَلَمَّا أَتَى خَبَرُ مَوْتِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ أَمَرَ النَّاسَ بِالْبَيْعَةِ لِابْنَيْهِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ، فَبَايَعُوا، وَكَتَبَ بِالْبَيْعَةِ لَهُمَا إِلَى الْبُلْدَانِ. وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، فَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ فَأَجَابُوا، إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَإِنَّهُ أَبَى وَقَالَ: لَا أُبَايِعُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ حَيٌّ، فَضَرَبَهُ هِشَامٌ ضَرْبًا مُبَرِّحًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>