للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرْخُونَ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، فَحَصَرُوا مُوسَى وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ.

فَمَكَثَ شَهْرَيْنِ فِي ضِيقٍ، وَقَدْ خَنْدَقَ عُثْمَانُ عَلَيْهِ وَحَذِرَ الْبَيَاتَ، فَقَالَ مُوسَى لِأَصْحَابِهِ: اخْرُجُوا بِنَا، حَتَّى مَتَى نَصْبِرُ، فَاجْعَلُوا يَوْمَكُمْ مَعَهُمْ إِمَّا ظَفِرْتُمْ وَإِمَّا قُتِلْتُمْ، وَاقْصِدُوا التُّرْكَ. فَخَرَجُوا وَخَلَّفَ النَّضْرَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ قُتِلْتُ فَلَا تَدْفَعَنَّ الْمَدِينَةَ إِلَى عُثْمَانَ، وَادْفَعْهَا إِلَى مُدْرِكِ بْنِ الْمُهَلَّبِ. وَخَرَجَ وَجَعَلَ ثُلُثَ أَصْحَابِهِ بِإِزَاءِ عُثْمَانَ، وَقَالَ: لَا تُقَاتِلُوهُ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَكُمْ. وَقَصَدَ لِطَرْخُونَ وَأَصْحَابَهُ فَصَدَقُوهُمُ الْقِتَالَ، فَانْهَزَمَ طَرْخُونُ وَأَخَذُوا عَسْكَرَهُمْ، وَزَحَفَتِ التُّرْكُ وَالصُّغْدُ فَحَالُوا بَيْنَ مُوسَى وَالْحِصْنِ، فَقَاتَلَهُمْ، فَعَقَرُوا فَرَسَهُ فَسَقَطَ، فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: احْمِلْنِي، فَقَالَ: الْمَوْتُ كَرِيهٌ، وَلَكِنِ ارْتَدِفْ، فَإِنْ نَجَوْنَا نَجَوْنَا جَمِيعًا، وَإِنْ هَلَكْنَا هَلَكْنَا جَمِيعًا. قَالَ: فَارْتَدَفَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ حِينَ وَثَبَ قَالَ: وَثْبَةُ مُوسَى وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! وَقَصَدَ إِلَى مُوسَى، وَعُقِرَتْ دَابَّةُ مُوسَى فَسَقَطَ هُوَ وَمَوْلَاهُ، فَقَتَلُوهُ، وَنَادَى مُنَادِي عُثْمَانَ: مَنْ لَقِيتُمُوهُ فَخُذُوهُ أَسِيرًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا.

فَقَتَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ الْأَسْرَى خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَكَانَ يَقْتُلُ الْعَرَبَ، وَيَضْرِبُ الْمَوْلَى وَيُطْلِقُهُ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًّا.

وَكَانَ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَى مُوسَى وَاصِلُ بْنُ طَيْسَلَةَ الْعَنْبَرِيُّ.

وَبَقِيَتِ الْمَدِينَةُ بِيَدِ النَّضْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى عُثْمَانَ، وَسَلَّمَهَا إِلَى مُدْرِكِ بْنِ الْمُهَلَّبِ وَآمَنَهُ، فَسَلَّمَهَا مُدْرِكٌ إِلَى عُثْمَانَ. وَكَتَبَ الْمُفَضَّلُ إِلَى الْحَجَّاجِ بِقَتْلِ مُوسَى فَقَالَ: الْعَجَبُ مِنْهُ! أَكْتُبُ إِلَيْهِ بِقَتْلِ ابْنِ سَبْرَةَ فَيَكْتُبُ إِلَيَّ أَنَّهُ لِمَآبِهِ، وَيَكْتُبُ إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَ مُوسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ. وَلَمْ يَسُرَّهُ قَتْلُ مُوسَى لِأَنَّهُ مِنْ قَيْسٍ.

وَقُتِلَ مُوسَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، وَضَرَبَ رَجُلٌ مِنَ الْجُنْدِ سَاقَ مُوسَى، فَلَمَّا وَلِيَ قُتَيْبَةُ قَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ بِفَتَى الْعَرَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: كَانَ قَتَلَ أَخِي. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.

ذِكْرُ مَوْتِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ وَالْبَيْعَةِ لِلْوَلِيدِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ

كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَرَادَ أَنْ يَخْلَعَ أَخَاهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَيُبَايِعَ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ تَبْعَثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>