فَخَرَجَ الْغُلَامُ فَأَتَى ثَابِتًا فَأَخْبَرَهُ، فَخَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا وَمَضَى. وَأَصْبَحُوا فَلَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يَرَوُا الْغُلَامَ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا لَهُ.
وَنَزَلَ ثَابِتٌ بِحُوشَرَا، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَأَقْبَلَ مُوسَى إِلَيْهِ وَقَاتَلَهُ، وَتَحَصَّنَ ثَابِتٌ بِالْمَدِينَةِ، وَأَتَاهُ طَرْخُونُ مُعِينًا لَهُ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى تِرْمِذَ، وَأَقْبَلَ ثَابِتٌ وَطَرْخُونُ وَمَعَهُمَا أَهْلُ بُخَارَى وَنَسَفَ وَكِشَّ، فَاجْتَمَعُوا فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا، فَحَصَرُوا مُوسَى حَتَّى جَهِدَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ قَالَ يَزِيدُ بْنُ هُذَيْلٍ: وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ ثَابِتًا أَوْ لَأَمُوتَنَّ. فَخَرَجَ إِلَى ثَابِتٍ فَاسْتَأْمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ ظُهَيْرٌ: أَنَا أَعْرَفُ بِهَذَا مِنْكَ، مَا أَتَاكَ إِلَّا بِغَدْرِهِ فَاحْذَرْهُ، فَأَخَذَ ابْنَيْهِ قُدَامَةَ وَالضَّحَّاكَ رَهْنًا، فَكَانَا فِي يَدِ ظُهَيْرٍ.
وَأَقَامَ يَزِيدُ يَلْتَمِسُ غِرَّةَ ثَابِتٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا يُرِيدُ حَتَّى مَاتَ ابْنٌ لِزِيَادٍ الْقَصِيرِ الْخُزَاعِيِّ، فَخَرَجَ ثَابِتٌ إِلَيْهِ لِيُعَزِّيَهُ وَهُوَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَدَنَا يَزِيدُ مِنْ ثَابِتٍ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَوَصَلَ إِلَى الدِّمَاغِ وَهَرَبَ فَسَلِمَ، وَأَخَذَ طَرْخُونُ قُدَامَةَ وَالضَّحَّاكَ ابْنَيْ يَزِيدَ فَقَتَلَهُمَا، وَعَاشَ ثَابِتٌ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ، وَقَامَ بِأَمْرِ الْعَجَمِ بَعْدَ مَوْتِ ثَابِتٍ طَرْخُونُ، وَقَامَ ظُهَيْرٌ بِأَمْرِ أَصْحَابِ ثَابِتٍ، فَقَامَا قِيَامًا ضَعِيفًا، وَانْتَشَرَ أَمْرُهُمْ وَأَجْمَعَ مُوسَى عَلَى بَيَاتِهِمْ، فَأُخْبِرَ طَرْخُونُ بِذَلِكَ فَضَحِكَ، وَقَالَ: مُوسَى يَعْجِزُ أَنْ يَدْخُلَ مُتَوَضَّأَهُ، فَكَيْفَ يُبَيِّتُنَا؟ لَا يَحْرُسُ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ.
فَخَرَجَ مُوسَى فِي ثَمَانِمِائَةٍ وَجَعَلَهُمْ أَرْبَاعًا وَبَيَّتَهُمْ، وَكَانَ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا ضَرَبُوهُ، مِنْ رَجُلٍ وَدَابَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَبِسَ نَيْزَكٌ سِلَاحَهُ وَوَقَفَ، وَأَرْسَلَ طَرْخُونُ إِلَى مُوسَى أَنْ كُفَّ أَصْحَابَكَ، فَإِنَّا نَرْحَلُ إِذَا أَصْبَحْنَا. فَرَجَعَ مُوسَى وَارْتَحَلَ طَرْخُونُ وَالْعَجَمُ جَمِيعًا.
فَكَانَ أَهْلُ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مُوسَى وَلَا سَمِعْنَا بِهِ، قَاتَلَ مَعَ أَبِيهِ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ فِي بِلَادِ خُرَاسَانَ، فَأَتَى مَلِكًا فَغَلَبَ عَلَى مَدِينَتِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، وَسَارَ الْجُنُودُ مِنَ الْعَرَبِ وَالتُّرْكِ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُقَاتِلُ الْعَرَبَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَالتُّرْكَ آخِرَ النَّهَارِ.
وَأَقَامَ مُوسَى فِي الْحِصْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَارَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ لِمُوسَى لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ.
فَلَمَّا عُزِلَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَوَلِيَ الْمُفَضَّلُ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى عِنْدَ الْحَجَّاجِ بِقِتَالِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَيَّرَ عُثْمَانَ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَيْهِ فِي جَيْشٍ، وَكَتَبَ إِلَى مُدْرِكِ بْنِ الْمُهَلَّبِ وَهُوَ بِبَلْخٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ مَعَهُ، فَعَبَرَ النَّهْرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَكَتَبَ إِلَى السَّبْلِ وَإِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute