الْعَبَّاسِ مِنْ هَرَاةَ، وَفَلُّ ابْنِ الْأَشْعَثِ مِنَ الْعِرَاقِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ كَابُلَ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ وَحُرَيْثٌ: سِرْ حَتَّى تَقْطَعَ النَّهْرَ، وَتُخْرِجَ يَزِيدَ عَنْ خُرَاسَانَ وَنُوَلِّيكَ. فَهَمَّ أَنْ يَفْعَلَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: إِنْ أَخْرَجْتَ يَزِيدَ عَنْ خُرَاسَانَ تَوَلَّى ثَابِتٌ وَأَخُوهُ خُرَاسَانَ وَغَلَبَاكَ عَلَيْهَا. فَلَمْ يَسِرْ وَقَالَ لِثَابِتٍ وَحُرَيْثٍ: إِنْ أَخْرَجْنَا يَزِيدَ قَدِمَ عَامِلٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَكِنَّا نُخْرِجُ عُمَّالَ يَزِيدَ عَمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ وَيَكُونُ لَنَا، فَأَخْرَجُوا عُمَّالَ يَزِيدَ عَمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ وَجَبَوُا الْأَمْوَالَ، فَقَوِيَ أَمْرُهُمْ، وَانْصَرَفَ طَرْخُونُ وَمَنْ مَعَهُ، وَاسْتَبَدَّ ثَابِتٌ وَحُرَيْثٌ بِتَدْبِيرِ الْأَمْرِ، وَالْأَمِيرُ مُوسَى لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الِاسْمِ.
فَقِيلَ لِمُوسَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأُمُورِ شَيْءٌ، وَالْأُمُورُ إِلَى ثَابِتٍ وَحُرَيْثٍ فَاقْتُلْهُمَا وَتَوَلَّ الْأَمْرَ. فَأَبَى، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى أَفْسَدُوا قَلْبَهُ عَلَيْهِمَا، وَهَمَّ بِقَتْلِهِمَا.
فَإِنَّهُمْ لَفِي ذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمُ الْهَيَاطِلَةُ وَالتُّبَّتُ وَالتُّرْكُ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا يُعِدُّونَ الْحَاسِرَ، وَلَا صَاحِبَ الْبَيْضَةِ الْجَمَّاءِ، وَلَا يُعِدُّونَ إِلَّا صَاحِبَ بَيْضَةٍ ذَاتِ قَوْنَسٍ. فَخَرَجَ ابْنُ خَازِمٍ وَقَاتَلَهُمْ فِيمَنْ مَعَهُ، وَوَقَفَ مَلِكُ التُّرْكِ عَلَى تَلٍّ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ فِي أَكْمَلِ عُدَّةٍ، وَالْقِتَالُ أَشَدُّ مَا كَانَ، فَقَالَ مُوسَى: إِنْ أَزَلْتُمْ هَؤُلَاءِ فَلَيْسَ الْبَاقُونَ بِشَيْءٍ. فَقَصَدَ لَهُمْ حُرَيْثُ بْنُ قُطْبَةَ فَقَاتَلَهُمْ وَأَلَحَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَزَالَهُمْ عَنِ التَّلِّ، وَرُمِيَ حُرَيْثٌ بِنَشَّابَةٍ فِي جَبْهَتِهِ، فَتَحَاجَزُوا، فَبَيَّتَهُمْ مُوسَى، وَحَمَلَ أَخُوهُ خَازِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى شَمْعَةِ مُلْكِهِمْ، فَوَجَأَ رَجُلًا مِنْهُمْ بِقَبِيعَةِ سَيْفِهِ، فَطَعَنَ فَرَسَهُ، فَاحْتَمَلَهُ الْفَرَسُ فَأَلْقَاهُ فِي نَهْرِ بَلْخٍ فَغَرِقَ، وَقُتِلَ مِنَ التُّرْكِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ بِشَرٍّ، وَمَاتَ حُرَيْثٌ بَعْدَ يَوْمَيْنِ.
وَرَجَعَ مُوسَى، وَحَمَلَ مَعَهُ الرُّؤُوسَ فَبَنَى مِنْهَا جَوْسَقَيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: قَدْ كُفِينَا أَمْرَ حُرَيْثٍ، فَاكْفِنَا أَمْرَ ثَابِتٍ. فَأَبَى، وَبَلَغَ ثَابِتًا بَعْضُ مَا يَخُوضُونَ فِيهِ، فَدَسَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيَّ - عَمَّ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَامِلَ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى الرَّيِّ - عَلَى مُوسَى، وَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ سَأَلُوكَ فَقُلْ: أَنَا مِنْ سَبْيِ الْبَامِيَانِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ وَاتَّصَلَ بِمُوسَى، وَكَانَ يَخْدِمُهُ وَيَنْقُلُ إِلَى ثَابِتٍ خَبَرَهُمْ، فَحَذِرَ ثَابِتٌ، وَأَلَحَّ الْقَوْمُ عَلَى مُوسَى. فَقَالَ لَهُمْ لَيْلَةً: لَقَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَيَّ وَفِيمَا تُرِيدُونَ هَلَاكُكُمْ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَقْتُلُونَهُ، وَأَنَا لَا أَغْدِرُ بِهِ؟ قَالَ لَهُ أَخُوهُ نُوحٌ: إِذَا أَتَاكَ غَدًا عَدَلْنَا بِهِ إِلَى بَعْضِ الدُّورِ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ هَلَاكُكُمْ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute