شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّتَ الْخُزَاعِيَّ وَعَسْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدِ بْنِ حُصَيْنٍ الْكِلَابِيُّ: لِيَكُنِ الْبَيَاتُ بِالْعَجَمِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ أَشَدُّ حَذَرًا وَأَجْرَأُ عَلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْعَجَمِ تَفَرَّغْنَا لِلْعَرَبِ.
فَأَقَامَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَخَرَجَ مُوسَى فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ: اخْرُجْ بَعْدَنَا، فَكُنْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ قَرِيبًا، فَإِذَا سَمِعْتُمْ تَكْبِيرَنَا فَكَبِّرُوا. ثُمَّ سَارَ حَتَّى ارْتَفَعَ فَوْقَ عَسْكَرِ التُّرْكِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلَ أَصْحَابَهُ أَرْبَاعًا، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَابُ الْأَرْصَادِ قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: عَابِرُو سَبِيلٍ. فَلَمَّا جَاوَزُوا الرَّصَدَ حَمَلُوا عَلَى التُّرْكِ وَكَبَّرُوا، فَلَمْ يَشْعُرِ التُّرْكُ إِلَّا بِوَقْعِ السُّيُوفِ فِيهِمْ، فَسَارُوا يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَوَلَّوْا، فَأُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَحَوُوا عَسْكَرَهُمْ وَأَصَابُوا سِلَاحًا كَثِيرًا وَمَالًا، وَأَصْبَحَ الْخُزَاعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ كَسْرَهُمْ ذَلِكَ، فَخَافُوا مِثْلَهَا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ لِمُوسَى: إِنَّنَا لَا نَظْفَرُ إِلَّا بِمَكِيدَةٍ، وَلَهُمْ أَمْدَادًا، وَهُمْ كَثِيرُونَ، فَدَعْنِي آتِهِ لَعَلِّي أُصِيبُ فُرْصَةً، فَاضْرِبْنِي وَخَلَاكَ ذَمٌّ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: تَتَعَجَّلُ الضَّرْبَ وَتَتَعَرَّضُ لِلْقَتْلِ. قَالَ: أَمَّا التَّعَرُّضُ لِلْقَتْلِ فَأَنَا كُلُّ يَوْمٍ مُتَعَرِّضٌ لَهُ، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَمَا أَيْسَرَهُ فِي جَنْبِ مَا أُرِيدُ. فَضَرَبَهُ مُوسَى خَمْسِينَ سَوْطًا، فَخَرَجَ مِنْ عَسْكَرِ مُوسَى وَأَتَى عَسْكَرَ الْخُزَاعِيِّ مُسْتَأْمِنًا، وَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ، فَلَمَّا قُتِلَ أَتَيْتُ ابْنَهُ فَكُنْتُ مَعَهُ، وَإِنَّهُ اتَّهَمَنِي وَقَالَ: قَدْ تَعَصَّبْتَ لِعَدُوِّنَا وَأَنْتَ عَيْنٌ لَهُ، فَضَرَبَنِي وَلَمْ آمَنِ الْقَتْلَ فَهَرَبْتُ مِنْهُ. فَآمَنَهُ الْخُزَاعِيُّ وَأَقَامَ مَعَهُ، فَدَخَلَ يَوْمًا وَهُوَ خَالٍ وَلَمْ يَرَ عِنْدَهُ سِلَاحًا، فَقَالَ كَأَنَّهُ يَنْصَحُ لَهُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنَّ مِثْلَكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ. قَالَ: إِنَّ مَعِي سِلَاحًا. فَرَفَعَ طَرَفَ فِرَاشِهِ فَإِذَا سَيْفٌ مُنْتَضًى، فَأَخَذَهُ عَمْرٌو فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَأَتَى مُوسَى، وَتَفَرَّقَ ذَلِكَ الْجَيْشُ، وَأَتَى بَعْضُهُمْ مُوسَى مُسْتَأْمِنًا فَآمَنَهُ، وَلَمْ يُوَجِّهْ إِلَيْهِ أُمَيَّةُ أَحَدًا.
وَعُزِلَ أُمَيَّةُ وَقِدَمَ الْمُهَلَّبُ أَمِيرًا، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمُوسَى وَقَالَ لِبْنَيْهِ: إِيَّاكُمْ وَمُوسَى، فَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ وُلَاةَ خُرَاسَانَ مَا دَامَ هَذَا الثَّبِطُ بِمَكَانِهِ، فَإِنْ قُتِلَ فَأَوَّلُ طَالِعٍ عَلَيْكُمْ أَمِيرٌ عَلَى خُرَاسَانَ مِنْ قَيْسٍ. فَلَمَّا مَاتَ الْمُهَلَّبُ وَوَلِيَ يَزِيدُ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَيْضًا لِمُوسَى.
وَكَانَ الْمُهَلَّبُ قَدْ ضَرَبَ حُرَيْثَ بْنَ قُطْبَةَ الْخُزَاعِيَّ، فَخَرَجَ هُوَ وَأَخُوهُ ثَابِتٌ إِلَى مُوسَى، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ أَخَذَ أَمْوَالَهُمَا وَحُرَمَهُمَا، وَقَتَلَ أَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا الْحَارِثَ بْنَ مُنْقِذٍ، فَخَرَجَ ثَابِتٌ إِلَى طَرْخُونَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا صَنَعَ بِهِ، وَكَانَ ثَابِتٌ مَحْبُوبًا إِلَى التُّرْكِ بَعِيدَ الصَّوْتِ فِيهِمْ، فَغَضِبَ لَهُ طَرْخُونُ، وَجَمَعَ لَهُ نَيْزَكَ وَالسَّبْلَ وَأَهْلَ بُخَارَى وَالصَّغَانِيانَ، فَقَدِمُوا مَعَ ثَابِتٍ إِلَى مُوسَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَى مُوسَى فَلُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute