وَلِأَهْلِ الصُّغْدِ مَائِدَةٌ يُوضَعُ عَلَيْهَا لَحْمٌ وَخَلٌّ وَخُبْزٌ وَإِبْرِيقُ شَرَابٍ، وَذَلِكَ كُلُّ عَامٍ يَوْمًا، يَجْعَلُونَ ذَلِكَ لِفَارِسِ الصُّغْدِ، فَلَا يَقْرَبُهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَحَدٌ بَارَزَهُ، فَأَيُّهُمَا قَتَلَ صَاحِبَهُ فَالْمَائِدَةُ لَهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى: مَا هَذِهِ الْمَائِدَةُ؟ فَأُخْبِرَ، فَجَلَسَ فَأَكَلَ مَا عَلَيْهَا، وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْمَائِدَةِ فَجَاءَ مُغَضَبًا وَقَالَ: يَا عَرَبِيُّ بَارِزْنِي! فَبَارَزَهُ فَقَتَلَهُ صَاحِبُ مُوسَى، فَقَالَ مَلِكُ الصُّغْدِ: أَنْزَلْتُكُمْ وَأَكْرَمْتُكُمْ فَقَتَلْتُمْ فَارِسِي، لَوْلَا أَنِّي آمَنْتُكَ وَأَصْحَابَكَ لَقَتَلْتُكُمْ، اخْرُجُوا عَنْ بَلَدِي. فَخَرَجُوا.
فَأَتَى كِشَّ، فَضَعُفَ صَاحِبُهَا عَنْهُ، فَاسْتَنْصَرَ طَرْخُونَ فَأَتَاهُ، فَخَرَجَ مُوسَى إِلَيْهِ وَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ فَارِسٍ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَمْسَوْا وَتَحَاجَزُوا، وَبِأَصْحَابِ مُوسَى جِرَاحٌ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لِزُرْعَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ: احْتَلْ لَنَا عَلَى طَرْخُونَ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا حَاجَتُكَ إِلَى أَنْ تَقْتُلَ مُوسَى وَتُقْتَلَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلُوا [مِثْلَ] عِدَّتِهِمْ مِنْكُمْ، وَلَوْ قَتَلْتَهُ وَإِيَّاهُمْ جَمِيعًا (مَا نِلْتَ حَظًّا) ، لِأَنَّ لَهُ قَدْرًا فِي الْعَرَبِ، فَلَا يَأْتِي أَحَدٌ خُرَاسَانَ إِلَّا طَالَبَكَ بِدَمِهِ. فَقَالَ: لَيْسَ لِي إِلَى تَرْكِ كِشَّ فِي يَدِهِ سَبِيلٌ. قَالَ: فَكُفَّ عَنْهُ حَتَّى يَرْتَحِلَ. فَكَفَّ.
وَسَارَ مُوسَى فَأَتَى تِرْمِذَ وَبِهَا حِصْنٌ يُشْرِفُ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ، فَنَزَلَ مُوسَى خَارِجَ الْحِصْنِ، وَسَأَلَ تِرْمِذَشَاهَ أَنْ يُدْخِلَهُ حِصْنَهُ فَأَبَى، فَأَهْدَى لَهُ مُوسَى وَلَاطَفَهُ حَتَّى حَصَلَ بَيْنَهُمَا مَوَدَّةٌ، وَخَرَجَ فَتَصَيَّدَ مَعَهُ. فَصَنَعَ صَاحِبُ تِرْمِذَ طَعَامًا، وَأَحْضَرَ مُوسَى لِيَأْكُلَ مَعَهُ، وَلَا يَحْضُرُ إِلَّا فِي مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَاخْتَارَ مُوسَى مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا الْحِصْنَ وَأَكَلُوا، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ لَهُ: اخْرُجْ. قَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّى يَكُونَ الْحِصْنُ بَيْتِي أَوْ قَبْرِي. وَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِدَّةٌ، وَهَرَبَ الْبَاقُونَ، وَاسْتَوْلَى مُوسَى عَلَيْهَا، وَأَخْرَجَ تِرْمِذَشَاهَ مِنْهَا وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ وَلَا لِأَصْحَابِهِ، فَأَتَوُا التُّرْكَ يَسْتَنْصِرُونَهُمْ عَلَى مُوسَى فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ وَقَالُوا: لَا نُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ. وَأَقَامَ مُوسَى بِتِرْمِذَ، فَأَتَاهُ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِيهِ فَقَوِيَ بِهِمْ، فَكَانَ يَخْرُجُ فَيُغِيرُ عَلَى مَا حَوْلَهُ.
ثُمَّ وَلِيَ بُكَيْرُ بْنُ وَسَّاجٍ خُرَاسَانَ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ، ثُمَّ قَدِمَ أُمَيَّةُ فَسَارَ بِنَفْسِهِ يُرِيدُ مُخَالَفَةَ بُكَيْرٍ فَرَجَعَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. ثُمَّ إِنَّ أُمَيَّةَ وَجَّهَ إِلَى مُوسَى بَعْدَ صُلْحِ بُكَيْرٍ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَعَادَ أَهْلُ تِرْمِذَ إِلَى التُّرْكِ، فَاسْتَنْصَرُوهُمْ وَأَعْلَمُوهُمْ أَنَّهُ قَدْ غَزَاهُ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ وَحَصَرُوهُ. فَسَارَتِ التُّرْكُ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ إِلَى الْخُزَاعِيِّ، فَأَطَافَ بِمُوسَى التُّرْكُ وَالْخُزَاعِيُّ، فَكَانَ يُقَاتِلُ الْخُزَاعِيَّ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَالتُّرْكَ آخِرَ النَّهَارِ، فَقَاتَلَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute