وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّبَابِعَةِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَزِيَادَةٍ فِي عَدَدِهِمْ وَنُقْصَانٍ، اخْتِلَافًا لَا يَحْصُلُ النَّاظِرُ فِيهِ عَلَى طَائِلٍ، وَكَذَا أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي نَسَبِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ: إِنَّ أُمَّهَا جِنِّيَّةٌ ابْنَةُ مَلِكِ الْجِنِّ وَاسْمُهَا رَوَاحَةُ بَنَتُ السَّكَنِ. وَقِيلَ: اسْمُ أُمِّهَا يَلْقَمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الْجِنِّيِّ، وَإِنَّمَا نَكَحَ أَبُوهَا إِلَى الْجِنِّ لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْإِنْسِ لِي كُفُوَةٌ، فَخَطَبَ إِلَى الْجِنِّ فَزَوَّجُوهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُصُولِهِ إِلَى الْجِنِّ حَتَّى خَطَبَ إِلَيْهِمْ فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ لَهِجًا بِالصَّيْدِ، فَرُبَّمَا اصْطَادَ الْجِنَّ عَلَى صُوَرِ الظِّبَاءِ فَيُخَلِّي عَنْهُنَّ فَظَهَرَ لَهُ مَلَكُ الْجِنِّ وَشَكَرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاتَّخَذَهُ صَدِيقًا، فَخَطَبَ ابْنَتَهُ، فَأَنْكَحَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ سَاحِلَ الْبَحْرِ مَا بَيْنَ يَبْرِينَ إِلَى عَدَنَ، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَاهَا خَرَجَ يَوْمًا مُتَصَيِّدًا فَرَأَى حَيَّتَيْنِ تَقْتَتِلَانِ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَقَدْ ظَهَرَتِ السَّوْدَاءُ عَلَى الْبَيْضَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِ السَّوْدَاءِ، وَحَمَلَ الْبَيْضَاءَ وَصَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، فَأَفَاقَتْ، فَأَطْلَقَهَا وَعَادَ إِلَى دَارِهِ وَجَلَسَ مُنْفَرِدًا، وَإِذَا مَعَهُ شَابٌّ جَمِيلٌ، فَذُعِرَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: لَا تَخَفْ أَنَا الْحَيَّةُ الَّتِي أَنْجَيْتَنِي، وَالْأَسْوَدُ الَّذِي قَتَلْتَهُ غُلَامٌ لَنَا تَمَرَّدَ عَلَيْنَا وَقَتَلَ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَالَ وَعِلْمَ الطِّبِّ، فَقَالَ: أَمَّا الْمَالُ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهِ، وَأَمَّا الطِّبُّ فَهُوَ قَبِيحٌ بِالْمَلِكِ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكَ بِنْتٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَزَوَّجَهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ عَلَيْهَا شَيْئًا تَعْمَلُهُ وَمَتَى غَيَّرَ عَلَيْهَا فَارَقَتْهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا فَأَلْقَتْهُ فِي النَّارِ فَجَزَعَ لِذَلِكَ وَسَكَتَ لِلشَّرْطِ، ثُمَّ حَمَلَتْ مِنْهُ فَوَلَدَتْ جَارِيَةً فَأَلْقَتْهَا إِلَى كَلْبَةٍ فَأَخَذَتْهَا، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَبَرَ لِلشَّرْطِ، ثُمَّ إِنَّهُ عَصَى عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَجَمَعَ عَسْكَرَهُ فَسَارَ إِلَيْهِ لِيُقَاتِلَهُ وَهِيَ مَعَهُ، فَانْتَهَى إِلَى مَفَازَةٍ، فَلَمَّا تَوَسَّطَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute